للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن من هذه النقطة بالضبط ينطلق طريقان أمام العقل الذي يريد مواجهة هذه المشكلة: فالطريق الأول ينطلق من سؤال ينبع من نفوسنا، في قليل أو كثير من الوضوح، حينما نقول: لماذا هذا الشر موجود؟

والطريق الثاني ينطلق من سؤال يختلف تماماً عن الأول، يدركه عقلنا أيضاً في قليل أو كثير من الوضوح، حينما نقول: لماذا نحن، المسلمين، مُعَرَّضون خاصة لهذا الشر؟

ولو أننا أعرنا الموضوع نصيباً من التأمل، لوجدنا أن كلا الطريقين يؤدي إلى مواقف، وإلى نتائج تختلف تمام الاختلاف عما يؤدي إليه الطريق الآخر.

فالسؤال الأول يقحمنا فعلاً في عالم الميتافيزيقا، في اتجاه لا يمكن أن تجد فيه المشكلة المطروحة حلاً عملياً، أو أي حل، لأن عناصر المشكلة كلها تصبح خارج نطاقنا، وتحت تأثير مسببات وعوامل لا تخضع لإرادتنا.

لماذا يوجد الشر؟ ولماذا يوجد الشيطان، ولماذا الاستعمار يمثلهما؟

هذه الأسئلة تعبر في الواقع عن سؤال واحد في صور مختلفة، لا تجدي صورة منها لأنها لا تؤدي إلى موقف سليم واقعي وفعّال، تجاه المشكلة التي تعبر عنها.

والواقع أن ليس لنا أن ننكر على أحد وضع السؤال في هذه الصورة، ولكن الجواب عليه سيقوده حتماً إلى الميتافيزيقا البحتة، مع كل ما يترتب عن هذا من النتائج المنطقية والأخلاقية والاجتماعية.

وإن مما يذكر عن أهل بيزنطة في عهد تدهور حضارتها، أنهم كانوا يتجادلون في جنس الملائكة: هل هم ذكور أم إناث .. ؟ ونحن إذا ما تورطنا في الميتافيزيقا، يمكننا أن نتجادل في جنس الاستعمار: هل هو رجل أم أنثى؟

ولو أن هذا قد وقع، فإنني على يقين من أن الاستعمار سوف يرينا عورته

<<  <   >  >>