للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يمثل أهم مرحلة في تطور الشعب الجزائري السياسي بعد الحرب العالمية الأولى، كما كان يمثل بالنسبة للاستعمار أخطر الظروف التي عرفها في سياسته الجزائرية منذ ١٨٣٠.

ولقد كان المؤتمر يحمل في روحه، وفي النزعات التي ورثها عن الكفاح الطويل الذي سبقه، ما يؤهله ليكون في توجيه الحياة السياسية في الجزائر، العنصر الفعال، فقد قام ليكون في البلاد جهازاً سياسياً فوق الأحزاب، يجعل الإدارة الاستعمارية وجهاً لوجه، مع الشعب الجزائري ذاته لا مع القادة السياسيين.

فشعر الاستعمار أنه سيفقد وسائل التأثير والرقابة على سياسة البلد، إذا ما خرجت من تصرف القادة بوضع هذا التصرف تحت نظر الشعب.

وإذا به يلوح بالمنديل الأحمر: فيغتال مفتي الجزائر حتى تكون جثته مسوغاً للإدارة الاستعمارية في إصدار الأوامر الصارمة، ثم يلقي من ناحية أخرى بحفنات نقود في ضمائر بعض القادة، فيذهب المؤتمر بعد ذلك قتيلاً، ويصبح هباء خلال شهر واحد، ما كافح من أجله الشعب الجزائري ربع قرن.

ولا شك أن التاريخ السياسي الحديث في أي بلد مسلم، سجل فصلاً كهذا، أعني أن الاستعمار يستغل الأوضاع النفسية نفسها، فهو يثير الغضب الأعمى عند الجماهير، ويغذي شهوات القادة.

ومن الواضح فإن هذا الجهاز سوف يظل خفياً لا يرى، لأنه مقيم في أعماق أنفسنا، كما من في استعدادنا لتقبل الإيحاءات التي من شأنها أن توجه سلوكنا، فهناك مختبرات متخصصة في الكيمياء السياسية تخصصاً عميقاً، تعد تلك الإيحاءات وتشحنها في شعورنا بالطرق المناسبة، ويكفي أن يضع أحد الاختصاصيين إصبعه على زر خفي، فتنطلق في شعورنا شحنة من الغضب والثورة، أو من

<<  <   >  >>