للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في كل موقف من المواقف التي تعرض لأشخاص القصة، ثم هو أبرع كاتب يهيء لك الجو من الناحية النفسية لكي تستطيع متابعة القراءة، وهو يعتمد في كل ذلك على ما وهبته الطبيعة من عمق المشاعر، واتساع العواطف، ورحابة النفس، والقدرة على سبر أغوار الأشخاص الذين يتحدث عنهم في مقالاته، كما يعتمد أخيرًا على قدرته على ما يسمى: "التأمل الباطني" حتى لكأن نفسه الباطنة دنيا كبيرة، أو مسرح ضخم يستطيع أن يكون فيه مخرجًا لشتَّى الروايات التمثيلية الإنسانية الخالدة.

والخلاصة: أن صفة الخلود في كتاب "الأيام" آتيةٌ له من ناحيتين: هما الصدق الحقيقيُّ الذي تحدثنا عنه أولًا، والقدرة على وصف النفس البشرية بمشاعرها المختلفة في حالاتها المختلفة بعد ذلك.

أما أسلوب هذه الفصول أو المقالات التي على شكل اعتراف؛ فمتأثرة بالمدرسة الجاحظية في الكتابة، وهي مدرسة ذات خصائص فنية معروفة, من أهمها: الإسهاب، والاستطراد، واتساع العبارة، وجذب القارئ، وسحبه بلطف ومهارة، ثم هي مدرسة تعنى كذلك بالمقابلات بين الألفاظ بعضها وبعض من جهة، وبين المعاني بعضها وبعض كذلك من جهةٍ ثانية، ولعل أهم ما تمتاز به المدرسة الجاحظية فوق هذا كله أمران:

أما أولهما: فقدرة هذه المدرسة على أن تؤدي لك أفخم المعاني بأيسر الألفاظ.

أما الثاني: فعنايتها عنايةً ظاهرةً بجرس اللفظ، وموسيقى العبارة، وتقطيع الكلام قطعًا متوازنة، تستطيع أن تقف عند كل واحدةٍ منها, وتستشعر الراحة في هذا الوقوف, ويظهر أن السبب في شيوع هذه الصفة الأخيرة في أسلوب "طه حسين"

<<  <   >  >>