للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مقال الخواطر والتأملات]

نبغ في هذا النوع من المقال كثيرون من كتابنا، وربما كان من أظهرهم في ذلك "أحمد أمين" الذي وصف لنا الكاتب الدقيق فقال: "إنه الكاتب الذي يسمع حفيف الأشجار، ودبيب النمل، ويرى دقيق الأشياء في الظلمة، ويرى قلوب الناس في أعينهم، ودخائلهم في صفحات وجوههم، وقد يرى بأذنه، ويسمع بعينه، وقد يرى ما لا يراه الناس، ويسمع ما لا يسمع الناس، وقد يدرك الجمال بتفاصيله، كما يدرك القبح بتفاصيله، حتى كأنه قد مُنِحَ من الحواس ما لم يمنحه سائر الناس، وكأن حواسه ليست خمسًا, وإنما هي خمسون أو خمسمائة أو ما شئت"١.

وهذا الوصف للكاتب الدقيق ينطبق على "أحمد أمين", كما ينطبق على غيره من الكتاب الواقعيين الذي يميلون دائمًا إلى وصف الحياة الواقعة كما تبدو لأعينهم، وكما تفهمها عقولهم، لا يغيب عن علمهم شيء من دقائق هذه الحياة، ولا تفوتهم همسة من همساتها.

ومعنى ذلك أن موضوع المقالات الأدبية بوجه عامٍّ, ومقالات التأملات والخواطر بنوع خاصٍّ, هو كل شيء في المجتمع، ذلك أن الكاتب الفنيّ هو من استطاع أن يجد من كل شيءٍ موضوعًا يجيد فيه, ويستخرج إعجاب القارئ، ومن استطاع أن يجد من كل شيء نواة يؤلف حولها ما يصلح لها حتى يخرج موضوعه منسقًا تنسيقًا يبهر السامع والقارئ, وهو في تأليفه قد يضم الشيء إلى إلفه، وقد يضمه إلى نقيضه، وقد يصل به


١ راجع "فيض الخاطر" أحمد أمين، الجزء الأول ص١٧٩و١٨٠.

<<  <   >  >>