للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولها: إقبال العامة على قراءته.

ثانيها: انتفاع الخاصة بهذه القراءة.

ثالثها: رغبة النساخ في انتساخه على مدى العصور.

رابعها: وهو "الأقصى" خاصٌّ بالفيلسوف نفسه.

وهنا سكت "ابن المقفع" عن بيان هذا الغرض الرابع الذي وصفه "بالأقصى"، وفهم القراء، وفهم الخليفة العباسيّ إذ ذاك، وكان "أبو جعفر المنصور" أن الكتاب موجه إليه، وإلى حكومته، وأن القصد منه توجيه اللوم إليه، وإلى حكومته.

وثَمَّ طريقةٌ أخرى من الطرق الأدبية الخالصة في التعبير عن الآراء والنظريات والمذاهب المخالفة، وهي: "طريقة الرؤيا والأحلام"، وهي وسيلة الكتاب والشعراء إلى نقد المجتمعات، والحكومات، ومن الأمثلة عليها "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعَرِّي، ورسائل الوهراني، وهو أديب مغربيٌّ وفد إلى مصر في العصر الأيوبيّ، سعيًا وراء وظيفة حكومية, ففشل في الحصول عليها، فصب جام غضبه على حكام مصر، وكبرائها على هذه الصورة.

بل إن من الطرق التي سلكها بعض المصريين في نقد حكامهم أحيانًا, "طريقة الجنون", أو الظهور بمظهر العته الذي لا يعاقب عليه القانون.

"ففي العصر الطولونيّ، وجزء من العصر الإخشيديّ, عرفت مصر شخصيةً عجيبةً كل العجب في تاريخها, هي شخصية "سيبويه المصريّ"، وكان رجلًا يظهر الحمق والجنون، واشتهر عنه ذلك، فاختفى وراء هذه الصفة, وأخذ يهجو الحكام والأمراء، فلم يكن أحدٌ منهم قادرًا على أن يأخذه بقوله؛ لأنه مجنون!

ولكن الناظر في كلامه، وأهاجيه, يحس إحساسًا عميقًا بأنه في الواقع

<<  <   >  >>