للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكالشريعة الإسلامية في ذلك جميع الشرائع الأخرى، أي: أنه ليس في استطاعة القوانين الوضعية أن تهمل هذا الأساس القويّ من الأسس التي تبنى عليها، وهو "الرأي العام" وخاصةً إذا بلغ هذا الرأي مرتبة "الإجماع".

وفي هذا وذاك ما يدل دلالةً صريحةً على أن الرأي العام هو الذي يصنع القانون, أو بعبارة أدق, هو الأصل الأول من الأصول التي يعتمد عليها واضعو القانون، وكثيرًا ما نرى بعض المجتمعات البدائية محكومة بالتقاليد السائدة بين أفرادها, وبالعرف والعادات التي هي بمثابة القوانين غير المكتوبة.

وصف المستر "بلانت" نظام الحكم البدويّ في نجد, عام ١٨٧٩ فقال:

"..... وفي نَجْد, تعيش هيئةٌ اجتماعيةٌ طِبْقًا للنظام الذي يحكم به دعاة المثل الأعلى في بلادنا، فلا ضرائب ولا بوليس، ولا تجنيد، ولا إكراه في أي شيء, ولا قانون لهذه الهيئة في حقيقة الحال إلّا الرأي العام، ولا نظام إلّا ما تمليه مبادئ النبل والشرف "١.

ومعنى ذلك: أنه لا ضرر من أن تحكم الأمم بالرأي العام الذي يسوده, وأن في الإمكان أن يحل هذا الرأي محل القانون، ويقوم بكل وظائفه، ويأتي بثمرته.

وأكثر من هذا وذاك, أنك ترى في بعض الأحيان أن الرأي العام في الأمة المتحضرة يستطيع أحيانًا أن يلغي قانونًا مكتوبًا بنفس القوة التي استطاع بها أن يسن هذا القانون المكتوب.

وكثيرًا ما يكون ذلك في الأوقات التي يبدو فيها القانون المكتوب كأنه يتعارض ومصلحة من مصالح الجمهور، وفي هذا الحالة يضطر الفقهاء وواضعو القانون أن يخضعوا خضوعًا تامًّا لهذه المصلحة، وفي مثل هذه الحالة كذلك تظهر قيمة "الاجتهاد" كأصلٍ من الأصول التي يُبْنَى عليها التشريع.


١ التاريخ السري لاحتلال الإنجليز لمصر, الترجمة العربية ص٤٦.

<<  <   >  >>