الأول على الثاني أما إذا لم يدل الثاني لا على القوة ولا على الضعف فمن أين يجب تقديم الأول عليه واعترض عليه بأن المشعر بعلو شأن الرسول معلوم التأخر أو مظنونة وما لم يشعر بذلك مشكوك فيه فليرجح الأول
وثالثها: يرجح المتضمن للتخفيف على المتضمن للتغليظ لأنه أظهر تأخرا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغلظ في ابتداء أمره زجرا لهم عن عوائد الجاهلية ثم مال إلى التخفيف هكذا ذكره صاحب الحاصل واتبعه المصنف والحق خلافه فإن النبي صلى الله عليه وسلم يرأف بالناس ويأخذهم شيئا فشيئا ولا يبدر بالتغليظ وهذا دأب الشرع يلوح ثم يعرض ثم يصرح والقرآن أكثره هكذا وانظر إلى آيات تحريم الخمر وغيرها وقد صرح الآمدي بما ذكرناه وقال احتمال تأخر التشديد أظهر وتبعه ابن الحاجب والإمام ذكره على سبيل الاحتمال بعد أن ضعف الأول ونحن لا ريب عندنا فيه كيف وسيأتي إن شاء الله تعالى أن المحرم مرجح على المبيح
ورابعها: يرجح الخبر المروي مطلقا على الخبر المروي بتاريخ متقدم لأن المطلق أشبه بالمتأخر
وخامسها: يرجح الخبر المؤرخ بتاريخ مضيق أي من آخر عمره صلى الله عليه وسلم على المطلق لأنه أظهر تأخرا ومن أمثلته صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا١" ولكن الشافعي تعلق بجلوس النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته والمقتدون به قيام ورآه وهذا من أواخر أفعاله والحديث الذي رويناه مطلق يغلب على الظن أنه كان قاله في صحته قال إمام الحرمين ومن هذا القبيل أخبار الدباغ مع ما رواه عبد الله بن عكيم الجهني قال ورد علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" وأحاديث الدباغ كانت مطلقة غير مقيدة بتاريخ والغالب على الظن جريانها قبل هذا التاريخ ولكن الشافعي رد حديث
١ رواه الخمسة إلا الترمذي قال الإمام مسلم: هو صحيح نيل الأوطار ٢/٢٣٦ ط بيروت