بالاجتهاد بل قنعوا منهم بمجرد أخذ الأحكام من أقوالهم من غير بيان ما أخذها فإن قلت دعوى قيام الإجماع على إفتاء المستفتين صحيحة ولكن من أين لكم أن المستفتين لم يسألوا عن بيان المأخذ قلت لم ينقل ذلك ولا لأم أحد العوام على تركهم السؤال عن وجه دلالة الدليل ويعلم قطعا أنهم كانوا لا يذكرون الدليل عند الإفتاء مع علمهم بجهل المستفتي به والثاني أن وجود ذلك عليهم يؤدي إلى تفويت معائشهم واستضرارهم بالاشتغال بأسبابه وذلك مؤذن باختلال نظام العالم وفساد الأحوال فإن قلت هذا يقتضي أن لا يجب النظر في أصول الدين وأن يجوز فيه التقليد لأنا نعلم أن الصحابة والتابعين ما كانوا يلومون من لم يتعلم علم الكلام بل ربما لاموا المشتغل به مع أنه يلوم منه تعطيل أمور المعايش لأن غرض أدلة الكلام أكثر قلت إن سلمنا عدم جواز التقليد فيه فالفرق أن مطالبة معدودة محصورة لا تتكرر وأكثر أدلتها قواطع تحمل الطبع السليم على الإذعان لها بخلاف الأحكام الفرعية فإنها غير متناهية وأكثر أدلتها ظنون تضطرب بحسب الأذهان فكان تحصيل رتبة الاستدلال فيها محتاجا إلى الانقطاع عن الاشتغال بغيرها فأرى إلى ما ذكرناه واحتج الجبائي بأن الحق في المسائل الاجتهادية متعدد بخلاف غيرها فإنه واحد فالتقليد فيه لا يؤمن من الوقوع في غير الحق والجواب بعد تسليم أن كل قول في المجتهدات حق أنه لا يؤمن فيها أيضا من الوقوع في الخطأ لاحتمال تقصير المجتهد في الاجتهاد أو أن لا يجتهد أو يفتي بخلاف الاجتهاد
"تنبيه" ذهب معظم الأصوليون إلى أن القول بأن العامي مقلد للمفتي فيما يأخذ منه لأن التقليد إن عرف بأن قبول قول القائل بلا حجة فقد تحقق ذلك إذ ليس قوله في نفسه بحجة وإن عرف بأنه قبول قول القائل مع الجهل بأخذه تحقق في قول المفتي أيضا
قال القاضي في مختصر التقريب والذي نختاره أن ذلك بتقليد أصلا فإن قول العالم حجة في قول المستفتى نصبه الرب تعالى علما في حق العامي وأوجب عليه العمل به كما أوجب على المجتهد العمل باجتهاده واجتهاده علم علمه وقوله علم على المستفتى ويخرج لك من هذا من لا يتصور تقليد مباح في الشرعية لا في