للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخلاف المندوب فإن أضداده مباحة غير منهي عنها لا نهي تحريم ولا نهي تنزيه ولم يقل أحد هنا إن الأمر بالشيء نفس النهي عن ضده لكون مكابرة وعنادا كما قررناه واختار الآمدي أن يقال إن جوزنا تكليف ما لا يطاق فالأمر بالفعل ليس نهيا عن الضد ولا مستلزما للنهي عنه بل يجوز أن يؤمر بالفعل وبضده في الحالة الواحدة وإن منع فالأمر بالشيء مستلزم للنهي عن ضده.

هذا خلاصة ما يجده الناظر في كتب الأصول من المنقول في هذه المسألة وهو هنا على أحسن تهذيب وأوضحه ومنهم من أجرى الخلاف في جانب النهي هل هو أمر بضد المنهي عنه وقال إمام الحرمين من قال النهي عن الشيء أمر يأخذ أضداده فقد اقتحم أمرا عظيما وباح بالتزام مذهب الكعبي١ في نفي الإباحة فإنه إنما صار إلى ذلك من حيث قال لا شيء يقدر مباحا إلا وهو ضد محظور فيقع من هذه الجهة واجبا ومن قال الأمر بالشيء نهي عن الأضداد ومتضمن لذلك من حيث تفطن لقائله الكعبي فقد ناقض كلامه فإنه كما يستحيل الإقدام على المأمور به دون الإنكفاف عن أضداده فيستحيل الانكفاف عن المنهي دون الإنصاف بأحد أضداده ونختم الكلام في المسألة بفوائد:

أحدها: قال القاضي عبد الوهاب٢ في الملخص بعد أن حكى عن الشيخ أبي الحسن٣ أن الأمر بالشيء نهي عن ضده إن كان ذا ضد واحد


١ هو: عبد الله بن أحمد بن محمود، المكنى بأبي القاسم الكعبي، من عيون المعتزلة، وإليه تنسب طائفة الكعبية، توفي ببلخ سنة ١٣١٩هـ.
شذرات الذهب ٢/٢٨١، البغدادي ٩/٣٨٤.
٢ هو: عبد الوهاب بن علي بن نضر الثعلبي البغدادي، قاض من فقهاء المالكية، له نظم ومعرفة بالأدب. من مؤلفاته: كتاب تلقين في فقه المالكية شرح المدونة للإمام مالك الإشراف على مسائل الخلاف شرح فصول الأحكام توفي سنة ٤٢٢هـ.
فوات الوفيات ١/٢١، الأعلام ٤/٣٣٥.
٣ هو الشيخ الإمام: علي بن إسماعيل بن أبي بشر، شيخ طريقة أهل السنة، والجماعة، وإمام المكلمين، أخذ عن الحبائي حتى برع في علم الكلام والجدل على طريقة المعتزلة، ثم شرح الله صدره فانخلع عما كان يعتقده، وانتصب للدفاع عن عقيدة أهل السنة.
توفي ببغداد سنة ٣٢٤هـ.
ابن خلكان ١/٤١١، البغدادي ١١/٣٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>