الذي هو رفع الحرج ضرورة كونه ضمنه ثم ارتفاعه لا يوجب ارتفاع الأعم والظاهر أنه لم يريدوا غير هذا القسم حيث جعلوا شبهة الخصم فيه أن الجنس يتقوم بالفصل ولا يحسن ذكر هذه الشبهة إلا إذا كان النزاع في رفع الحرج الذي هو جنس غير مقيد بالتخيير وحينئذ قد يضعف قول الغزالي في الرد عليهم أن هذا بمنزلة قول القائل كل واجب فهو ندب وزيادة فإذا نسخ الوجوب بقي الندب ولا قائل به لأنا نقول المدعي بقاء الجواز الذي هو قدر مشترك بين الندب والإباحة والكراهة في ضمن واحد من الأنواع الثلاثة لا بقاء نوع منها على التعيين فإنه لا بد له من دليل خاص فكيف يكون هذا بمنزلة قول القائل إذا نسخ الوجوب بقي الندب فإن قلت تحرر من هذا أن القوم يقولون ببقاء مطلق الجواز مكتسبا من دلالة الواجب عليه والغزالي ينكر كونه مكتسبا من دلالة الواجب عليه ولا تنازع في بقاء رفع الحرج فالخلاف حينئذ لفظي قلت الغزالي كما سلفت الحكاية عنه يقول إن الحال يعود إلى ما كان عليه من تحريم وإباحة فهو منازع في أصل بقاء الجواز ويظهر فائدة الخلاف فيما إذا كان الحال قبل الوجوب تحريما فعند الغزالي الفعل الآن يعود محرما كما كان وعند القوم أن مطلق الجواز الذي كان داخلا في ضمن الوجوب باق يصادق ما دل على التحريم فوضع أن الخلاف معنوي.
واعلم أن الغزالي قد يقول إذا اقتضى الأمر مجموع الشيئين أعني الأعم والأخص فالذي يزيل الواحد نازل منزلة المخصص بالقياس إلى اللفظ العام ولذلك يجوز اقترانه بالأمر بأن يراد صيغة افعل ويقترن بها ما يدل على أنه لا حرج في تركه فإنا نحملها على الندب أو الإباحة ولو كان ناسخا لما جاز اقترانه به لأن من شروط الناسخ التراخي فإن قلت نحن نسلم أن هذا القيد إذا اقترن لم يكن نسخا ولكن لم قلت إنه إذا تأخر وثبت لا يكون نسخا قلت بقي النزاع في هذا ولعل الغزالي لا يسمي بالنسخ إلا ما رفع حكم الخطاب السابق بالكلية ويعود النزاع لفظيا قال:"قيل: الجنس يتقوم بالفصل فيرتفع بارتفاعه قلنا لا وإن سلم فيتقوم بفصل عدم الحرج".