والثاني: وهو الذي أشعر به دليله أن كل فعل يوصف بأنه مباح باعتبار ذاته فهو واجب باعتبار أنه يترك به الحرام ولا يكون الكعبي حينئذ مفاجئا بإنكار المباح وقد نقل القاضي في مختصر التقريب والغزالي في المستصفى أن المباح مأمور به دون الأمر بالندب والندب دون الأمر بالإيجاب وقد صرح في مختصر التقريب بأنه لا يسمى المباح واجبا ولا الإباحة إيجابا إذا عرفت ذلك فقد استدل الكعبي على هذا بأن فعل المباح ترك الحرام لأنه ما من مباح إلا وهو ترك لمحظور وترك الحرام واجب فيلزم أن يكون فعل المباح واجبا من جهة وقوعه تركا لمحظور.
وأجاب عنه المصنف بأنا لا نسلم أن فعل المباح هونفس ترك الحرام يعني أنه يلزم من فعل المباح ترك الحرام ولا يلزم من ترك الحرام فعل المباح لجواز تركه بواجب أو مندوب فلا يكون المباح ترك الحرام بل شيئا يحصل به تركه لما عرفت من أن تركه قد يحصل به وقد يحصل بغيره فلم ينحصر تركه في المباح وقد ضعف الآمدي وغيره هذا الجواب وقالوا هو صادر ممن لم يعلم غور كلامه فإنه إذا ثبت أن ترك الحرام واجب وأنه لا يتم بدون التلبس بضد من أضداده وقد تقرر أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فالتلبس بضد من أضداده واجب غايته أن الواجب من الأضداد غير معين قبل تعيين المكلف له ولكن لا خلاف في وقوعه واجبا بعد التعيين وقال لا خلاص عنه إلا بمنع وجوب المقدمة قال وغاية ما ألزم أنه لو كان الأمر على ما ذكرت لكان المندوب بل المحرم إذا ترك به محرم آخر كالزنا إذا حصل به ترك القتل أن يكون واجبا وكان يجب أن تكون الصلاة حراما على هذه القاعدة عندما إذا ترك بها واجبا آخر وله أن يجيب بأنه لا مانع من الحكم على الفعل الواحد بالوجوب والتحريم بالنظر إلى جهتين مختلفتين كما في الصلاة في الدار المغصوبة قال وبالجملة إن استعيد فهو في غاية الغوص والإشكال وعسى أن يكون عند غيري حله.
قلت: وهو صحيح ولكنا نقول للكعبي نحن لا ننكر أن الإباحة تقع ذرائع إلى الانكفاف عن المحظور كغيرها من الأفعال التي يلزم منها الانكفاف