للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على هذا المأخذ بل هو من جهة أنهم منعوا أن المكره قادر على عين الفعل المكره عليه فبين الملزمون أنه قادر لأن المعتزلة كلفوه بالضد وعندهم أن الله تعالى لا يكلف العبد إلا بعد خلق القدرة على الفعل والقدرة عندهم على الشيء قدرة على ضده فإذا قدر على ترك القتل قدر على القتل.

قال الغزالي وهذا ظاهر ولكن فيه غور وهو أن الامتثال إنما يكون طاعة إذا كان الانبعاث له بباعث الأمر والتكليف دون باعث الإكراه فالآتي بالفعل مع الإكراه إن أتى به لداعي الإكراه فلا يكون مجيبا داعي الشرع فصحيح قال بعض المتأخرين وهذا الذي ذكره إنما هو في العبادات المشروط فيها النية كرد المغصوب والودائع وتسليم المبيع وحبس المعتدة فالمقصود فيه واقع قصد أو لم يقصد فيخرج من عهده التكليف به مع الإكراه هذا كلام الأصوليين وأما الفقهاء فقالوا لا يباح بالإكراه الزنا والقتل ويباح شرب الخمر والإفطار إتلاف مال الغير والخروج من الصلاة والتلفظ بكلمة الردة وقد يجب بعض ذلك فإن قلت قد قال الفقهاء إن الإكراه يسقط أثر التصرف قلت لا يلزم من كونه مسقطا أثر التصرف ألا يجامع التكليف والضابط في خطاب المكره وتصرفاته والجمع بين كلام الأصوليين والفقهاء فيه يستدعي مزيد بسط لعلنا نستقصي القول فيه في كتابنا الأشباه والنظائر على أن الفقهاء قد استثنوا مسائل من هذه القاعدة منها الإكراه على القتل على أصح القولين ومنها الإكراه على الكلام في الصلاة على الأصح ومنها الرضاع.

ومنها على الحدث وقد حكى الرافعي عن الحناطي١ وجهين في انتقاض الوضوء بمس الذكر ناسيا فلا يبعد أن يقال بجريانهما في حالة الإكراه.

ومنها الإكراه على الزنا إن قلنا يتصور الإكراه عليه.


١ هو الحسين بن محمد بن عبد الله الشيخ الإمام أبو عبد الله الحناطي الطبري كان إماما جليلا حافظا لكتب الإمام الشافعي – رضي الله عنه -.
توفي بعد الأربعمائة هجرية.
تاريخ بغداد ٨/١٠٣ طبقات الشافعية لابن السبكي ٤/٢٦٧ – ٣٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>