التقرير الثاني أن يقال فإما يكون التكليف حال القدرة والداعية معه ويلزم من مجموعهما وجوب الوقوع وقد اعترض العبري بأنه إذا كان الفعل قبل المباشرة غير مقدور عليه وعند المباشرة واجب الوقوع فيلزم التكليف بالممتنع أو الواجب وهو محال هذا شيء ما في الكتاب على الاختصار والمسألة دخيلة في هذا العلم والكلام فيها مما لا يكثر جدواه والذي نقوله هو أن الحق في أحد جهتين مرجعهما.
أحداهما: القول بأن التكليف متوجه قبل المباشرة وحال المباشرة أيضا وهو المنقول عن المحققين.
والثانية: أن التكليف لا يتوجه إلا حال المباشرة وهو مختار الإمام وصاحب الكتاب وهو عندنا منقدح لا يمنعنا عن الجزم به إلا ما سنذكره بعد سؤال وجواب نوردهما إن شاء الله تعالى.
فإن قلت هذا يؤدي إلى أن المكلف لا يعصى بترك مأمور به لأنه إن أتى به كان ممتثلا وإن لم يأت كان مغدورا لعدم التكليف.
قلت هذا من الأسئلة التي قامت بها الشناعة على القائل بهذه المقالة وجوابه عندنا دقيق فنقول إذا كان التكليف متوجها حال المباشرة فهو في حال ترك المأمور به مباشر للترك والترك فعل وهو حرام فقد باشر الترك فتوجه عليه التكليف بالحرمة حال مباشرة الترك والعقاب ليس إلا على الترك وهذا في غاية الحسن وقد أشار إليه إمام الحرمين في مسألة تكليف ما لا يطاق وهو أجل ما يستفاد من شرحنا في هذه المسألة وليس عندي فيه إلا أنه يلزم منه أن يقال تارك الصلاة مثلا غير مكلف بالصلاة بترك ترك الصلاة الذي يلزم منه الصلاة وقد ادعى إمام الحرمين اتفاق أهل الإسلام على أن القاعد في حال قعوده مأمور بالقيام فإن صح الإجماع هكذا فهل يصد عن القول بأن التكليف لا يتوجه إلا حال المباشرة.
وإن أمكن رده إلى ترك الترك كما قررنا فهذا المذهب منقدح.