وليس الأمر على هذا التوهم وكشف الغطاء في ذلك أن الخطاب على قسمين:
خطاب تكليف وخطاب وضع فخطاب التكليف بالأمر والنهي هو محل الخلاف وليس كل تكليف أيضا بل ما لم نعلم اختصاصه بالمؤمنين أو ببعض المؤمنين وإنما المراد العامة التي شملهم لفظا هل يكون الكفر مانعا من تعلقها بهم.
أولا: وأما خطاب الوضع فمنه ما يكون سببا لأمر أو نهي مثل كون الطلاق سببا لتحريم الزوجة قال والدي رحمه الله فهذا من محل الخلاف أيضا والفريقان مختلفان في أنه هل هو سبب في حقهم أيضا وربما يقول المانع من التكليف هو سبب ولكن قارنه مانع والعبارتان إن وقع فيهما تشاجر فهو لفظي.
ومن خطاب الوضع كون اختلافهم وجناياتهم سببا في الضمان وهذا ثابت في حقهم إجماعا بل ثبوته في حقهم أولى من ثبوته في حق الصبي وكون وقوع العقد على الأوضاع الشرعية سببا فيه في البيع والنكاح وغيرهما فهذا لا نزاع فيه وفي ترتب الأحكام الشرعية عليه في حقهم كما في حق المسلم وكذا كون الطلاق سببا للفرقة فإن الفرقة تثبت إذا قلنا بصحة أنكحتهم ومن هذا القبيل الإرث والملك به ولولا ذلك لما شاع بيعهم لمواريثهم وما يشترونه ولا معاملتهم وكذا صحة أنكحتهم إذا صدرت على الأوضاع الشرعية والخلاف في ذلك لا وجه له.
قال والدي بل ما أظن أحدا يتحقق عنه القول بأن النكاح الصادر منهم على الأوضاع الشرعية يكون فاسدا والصحة حكم شرعي وهي ثابتة في حقهم ومن يقول بأن الصحة حكم عقلي مراده مطابقة الأمر فهي حاصلة في حقهم لمطابقة عقدهم الوجه المشروع وأوضح دليل على ثبوت الصحة في حقهم من غير نزاع أن أبا حنيفة قال بها في الأنكحة وهو صدر القائلين بعدم تكليفهم بالفروع وأما صحة البيع ونحوه إذا جرى على الوضع الشرعي فلا تعلم من يقول بفساده في حقهم.