والثاني: وهو أعظم نكيرا أن تلك المناسبة الطبيعية وحدها كافية في كون تلك الألفاظ دالة على تلك المعاني من غير احتياج إلى الوضع وهو معلوم الفساد هو الذي اقتضاه نقل الإمام عنه واحتج عباد بأنه لو لم يكن بين الأسماء والمسميات مناسبة بوجه ما لكان تخصيص الاسم المعين بالمسمى المعين ترجيحا لأحد طرفي الجائز على الآخر من غير مرجح والجواب أن الواضع إن كان هو الله تعالى كان تخصيص الاسم المعين بالمسمى المعين كتخصيص وجود العالم بوقت مقدر دون غيره وإن كان الناس فيحتمل أن يكون السبب حضور ذلك اللفظ بالبال في ذلك الوقت دون غيره إذا بطلت المناسبة الطبيعية وظهر أن مستند تخصيص بعض الألفاظ ببعض المعاني إنما هو الوضع الاختياري حان النظر في الكلام في الواضع وفيه كلام الكتاب فالواضع إن كان هو الله تعالى فهو مذهب الشيخ أبي الحسن ومن وافقه وهو المسمى بالتوقيف وإن كان هو العبد فهو مذهب الشيخ أبي هاشم وهو المسمى بالاصطلاح والتواطؤ وإن كان منهما فإما أن يكون ابتداء الوضع من الله والباقي من العبد وهو رأي الأستاذ أبي إسحاق أو العكس وهو مذهب ضعيف لم يذكره في الكتاب وأما جمهور المحققين كالقاضي فمن بعده فقد توقفوا في الكل وقالوا بإمكان كل واحد من هذه الاحتمالات الأربعة وهو الذي اختاره في الكتاب حيث قال ولم يثبت تعيين الواضع وقال ابن الحاجب الظاهر قول الأشعري ومعنى هذا القول بالوقف لعدم القطع بواحد من هذه الاحتمالات ويرجح مذهب الأشعري بغلبة الظن وقد كان بعض الضعفاء يقول إن هذا الذي قاله ابن الحاجب مذهب لم يقل به أحد لأن العلماء في المسألة بين متوقف وقاطع بمقالته فالقول بالظهور لا قائل به وهذا ضعيف فإن المتوقف لعدم قاطع قد يرجح بالظن ثم إن كانت المسألة ظنية اكتفى في العمل بها لذلك الترجيح وإلا توقف عن العمل بها.