إلى الفقه والفقيه قد يعرفها بأدلتها إذا كان أصوليا وقد يعرفها بالتقليد ويتسلمها من الأصول ثم هو يرتب الأحكام فمعرفتها حاصلة عنده.
والاعتبار الثاني: من حيث كونها كلية أعني يعرف ذلك الكلي المندرج فيها وإن لم يعرف شيئا من أعيانها وهذه وظيفة الأصولي فمعلوم الأصولي الكلي ولا معرفة له بالجزئي من حيث كونه أصوليا ومعلوم الفقيه الجزئي ولا معرفة له بالكلي من حيث كونه فقيها ولا معرفة له بالكلي إلا لكونه مندرجا في الجزئي المعلوم وأما من حيث كونه كليا فلا فالأدلة الإجمالية هي الكلية سميت بذلك لأنها تعلم من حيث الجملة لا من حيث التفصيل وهي توصله بالذات إلى حكم الإجمالي مثل كون كل ما يؤمر به واجبا وكل منهي عنه حراما ونحو ذلك وهذا لا يسمى فقها في الاصطلاح ولا توصل إلى الفقه بالتفصيلي وهو معرفة سنية الوتر أو وجوبه والنهي عن بطلان بيع الغائب أو صحته مثلا إلا بواسطة فقبدية الإجمال مأخوذة في الأدلة والمعرفة معا أيضا وليست مأخوذة في الفقه ولذلك لا يلزم من النظر في الأصول حصول الفقه والحكم الكلي متوقف على الأصول توقفا ذاتيا والحكم التفصيلي وهو الفقه موقوف عليه أيضا وعلى غيره كلية قد يكون بالتقيد للأصولي كما أشرنا إليه وبهذا يظهر أن الاجتهاد في الفقه على الإطلاق شرطه الأصول ومعرفتها بالاجتهاد وأما بدون ذلك فيكون مقلدا وإن اجتهد في تفريع المسائل.
ثم هذه الأدلة الكلية لها حقائق في أنفسها من حيث دلالتها وتعلق العلم بها فهل وضع أصول الفقه لتلك الحقائق في أنفسها أو للعلم بها كلام المصنف يقتضي الثاني وكلام الإمام وغيره يقتضي الأول ولكل منهما وجه فإن الفقه كما يتوقف على الأدلة يتوقف على العلم بها وقد يرجح ما فعله المصنف بأن العلم بالأدلة لا يوصل إلى المدلول إلا بواسطة العلم بها لأن الفقه علم لكن أهل العرف يسمون المعلوم أصولا وكذلك يسمون المعلوم فقها ونقول هذا كتاب أصول وكتاب فقه والأولى جعل الأصول للأدلة والفقه للعلم لأنه أقرب إلى الاستعمال اللغوي ثم الأدلة لها اعتباران أحدهما حقيقتها في نفسها والثاني من حيث دلالتها على الفقه والمأخوذ في حد أصول الفقه والمأخوذ في حد أصول الفقه إنما هو هذا الثاني وهو مستفاد من الإضافة