واجبا فهل هو ممتنع أم ممكن وبتقدير إمكانه فهل هو واقع فهذه احتمالات أربعة بحسب الانقسام العقلي وقد صار إلى كل منها صائر واحتج من قال بالوجوب بشيئين:
أحدهما: أن المعاني غير متناهية وهذا واضح فإن الأعداد وهي لا تصل إلى نهاية والألفاظ لأنها مركبة من الحروف المتناهية والمركب من المتناهي متناه وحينئذ فإذا وزعنا الألفاظ على المعاني فلا بد وأن يستوعبها وإلا يلزم خلو بعض المعاني المقصودة عن الألفاظ ومتى كانت مستوعبة لها لزم الاشتراك لأنه لا بد حينئذ من لفظ واحد بإزاء معان كثيرة وهو الاشتراك وأجاب المصنف أولا بمنع المقدمتين أي لا نسلم أن المعاني غير متناهية ولا أن الألفاظ متناهية وسند المنع الأول أن حصول ما لانهاية له في الوجود محال وأما قوله: الأعداد غير متناهية فمسلم لكن بمعنى أنه لا مرتبة من مراتبه إلا ويمكن أن يوجد بعدها مرتبة أخرى مع أن المراتب الداخلة في الوجود منه أبدا قد تكون متناهية لا بمعنى أن الحاصل منه في الوجود غير متناه ولا يلزم من كون الأعداد غير متناهية بالمعنى الذي تقدم ذكره أن تكون المعاني الموجودة غير متناهية وأيضا فأصولها متناهية وهي الآحاد والعشرات والمئات والآلاف والوضع للمفردات لا للمركبات ولمسند المنع الثاني وهو قولهم الألفاظ متناهية والمركب من المتناهي متناه أن كونها مركبة من الحروف المتناهية لا يقتضي أن تكون متناهية كما أن أسماء الأعداد غير متناهية وأصولها متناهية وأجاب ثانيا بأن المقصود بالوضع متناه أي ولئن سلمنا صحة المقدمتين فلا يلزم ما ذكرتم لأن المعاني التي يقصدها الواضع بالتسمية متناهية إذ الوضع للمعاني فرع تصورها وتصور ما لا يتناهى محال ويمكن أن يقرر على وجه آخر فيقال إنما يلزم الاشتراك أن لو حصل استيعاب جميع المعاني بالوضع ونحن نقول الوضع إنما هو لما يشتد الحاجة إليه وهو متناه وليس الوضع لكل معنى بل جاز خلو بعض المعاني عن الوضع ألا ترى ألا نجد لكثير من المعاني كأنواع الروائح أسماء مستقلة لا مشتركة ولا مفردة بعد الاستقراء والبحث التام