للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلامه لا يقتضي أن الشافعي رأى ذلك وكيف وقد جعل الأشبه خلاف ذلك.

وأعلم أن الخلاف في المسألة بين أصحابنا وقد حكى الماوردي في الحاوي في أوائل كتاب الأشربة في المسألة أوجها ثالثها: التفرقة بين الجمع والسلب وقد قدمنا أن الفقيه في المطلب أخرج نص الشافعي على الحقيقة والمجاز فليكن المشترك كذلك بطريق أولى.

الثانية: استدل الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في شرح الإمام لاستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه بحديث الأعرابي الذي بال في المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فاهريق عليه وذلك بالرواية التي جاء فيها: "صبوا عليه بذنوب من ماء" ١ ووجه بأن صيغة الأمر توجهت إلى صب الذنوب والقدر الذي يغمر النجاسة واجب في إزالتها فتناول الصيغة له استعمال اللفظ في حقيقته الوجوب والزائد على ذلك مستحب فتناول الصيغة له استعمال لها في الندب وهو مجاز فيه على الصحيح فقد استعملت صيغة الأمر في حقيقتها ومجازها وهذا بناء على زيادة الذنوب على القدر الواجب.

الثالثة: أطلق الأصوليون الخلاف في الحمل على الحقيقة والمجاز من غير تبين لمحله.

واعلم أن المتكلم إذا ذكر لفظا له حقيقة ومجاز فتارة يقصد الحقيقة فقط فيحمل على الحقيقة وحدها بلا نزاع وتارة يقصد بها المجاز فقط فيحمل عليه وحده بلا خلاف أيضا وكل هذا يظهر بدلائل تقوم عليه من قرائن وألفاظ وتارة يقصد المجاز ويسكت عن الحقيقة أو يقصدهما معا فهذا هو محل النزاع وقد أفهم كلام بعضهم أن الخلاف جار وإن لم يقصد المجاز ولم ينفه وهو في غاية البعد فإن اللفظ لا يحمل على المجاز إلا بقرينة


١ أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه والنسائي وغيرهم.
تيسير الوصول ٣/٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>