وظهر المتعصبون لكلا الفريقين، فاتسع الخلاف واحتدم النزاع، حتى قيض الله لهذا الأمة من أخذ بيدها إلى الطريق السوي، ويبين القواعد القوانين التي يحتكم إليها الجميع، وهو الإمام الشافعي رضي الله عنه –بعد أن كتب له الإمام الحافظ عبد الرحمن بن مهدي المتوفى سنة ١٩٨هـ. وهو أحد أئمة الحديث في الحجاز، أرسل إلى الإمام الشافعي أن يضع له كتاباً يبين فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضع له كتاب "الرسالة". = قال علي بن المديني: قلت لمحمد بن إدريس: أجب عبد الرحمن بن مهدي عن كتابه، فقد كتب إليك وهو متشوق إلى جوابك، قال: فأجابه الشافعي. وأرسل الكتاب إلى الإمام ابن مهدي مع الحارث بن سريج النقال الخوارزمي، ثم البغدادي وبسبب ذلك سمي النقال. وعلى ذلك يتبين عدم صحة ما ينقله بعض العلماء من أن هناك من سبق الإمام الشافعي في التأليف في علم الأصول، كالإمام محمد الباقر بن علي زين العابدين، المتوفى سنة ١١٤هـ. وكالإمامين أبي يوسف، ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة رضي الله تعالى عنهم. فإن هذا من قبيل القواعد والمناهج التي كان يسير عليها الأئمة، والتي سبق أن أشرنا إليها، وأنها كانت موجودة حتى في عصر الصحابة رضي الله عنهم. فالتحقيق أن أول من ألف في ذلك كتاباً مستقلا متكاملاً هو الإمام الشافعي رضي الله عنه، كما قال الإمام السبكي وكما هو المتفق عليه بين الأئمة. راجع: الخطيب البغدادي ٢/٦٤-٦٥، معجم الأدباء ٦/٧٨٨، ورسالة الإمام الشافعي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر من ٩٠٧،٦٢٥،٥٧٣،٤١٨،٩٦، مناقب الإمام الشافعي للرازي ص٢١. الفهرست لابن النديم ص٢٨٦، الشيعة وفنون الإسلام ص٥٦٥، عقيدة أهل السنة في الإمام الصادق ص٢٩٢، الشافعي للشيخ أبي زهرة ص١٧٩، أصول الفقه –نشأته وتطوره- للدكتور شعبان محمد إسماعيل ص٢٣-٣٥.