أو عدم وقوعها أمر رابع فتعلق العلم بتلك الثلاث تصور وتعلقه بالرابع تصديق والفرق بين الثالث والرابع دقيق فإنك تقول علمت حدوث العالم بمعنى تصورته وعلمت حدوث العالم بمعنى صدقت به فالنسبة واحدة ولكن التصور علمها في نفسها والتصديق علم حصولها فحقيقة المعلوم في التصديق كحقيقة المخبر به في الخبر بل هي حقيقة واحدة إن تعلق بها الكلام سمي خبرا وإن تعلق بها العلم سمي تصديقا والتصور أخص من العلم مطلقا والتصديق أخص منه من وجه لأن التصديق قد يكون بالخبر وليس بعلم لخروجه من حد العلم وتفسير التصديق بما قلناه وهو العلم بالنفي والإثبات يصحح انقسام العلم الذي هو الإدراك إلى التصور والتصديق بخلاف ما إذا فسرناه بالحكم أو بالحكم مع التصور فلا يصح انقسام العلم إليه إلا إذا قيل إن العلم بالنفي أو الإثبات حكم والمعروف أن الحكم إيقاع النسبة.
وكشف اللبس في ذلك أن الحكم هو نسبة أمر إلى أمر بالإثيات أو النفي وهو قسم من أقسام الكلام قد يكون بالنفس وقد يكون باللسان فإذا قلنا حكم الذهن فإنما نريد الإخبار النفساني ثم إن هذا الإخبار محتمل للتصديق والتكذيب والتصديق والتكذيب إما بالإخبار بأن يقال لقائله صدقت أو كذبت وإما بالعلم والاعتقاد فإن من علم صدق المخبر يقال له مصدق له ومن علم كذبه يقال أنه مكذب له فسمى العلم المتعلق بذلك الخبر أو بمضمون الخبر تصديقا لما قلناه لأنه مصدق له فالعلم يتعلق بالحكم أو بمضمونه لا ينقسم إليه وقولنا بمضمونه لأن العلم قد يتعلق بالنسبة الخارجية وقد يتعلق بالخبر عنها فالثاني تصديق للخبر والأول تصديق لمضمونه والحكم منه ما هو تصديق وهو الأخبار بصدق الصادق ومنه ما ليس بتصديق وهو تقييد الأحكام وأنما شاع في العرف إطلاق التصديقات على القضايا مطلقا لأنها قابلة لأن تصدق فكأنهم قالوا الصادقة ومن هنا يتبين أن أحق القضايا باسم التصديق ما كان مقطوعا به لأنه الذي يصدقه العلم أما المظنونة والمشكوك فيها والموهومة فلا يوثق بأيها إذا عرضت على العلم بصدقها أو بكذبها فإن أطلق عليها اسم التصديق فإنما هو بطريق احتمالها له وإنما تسمى حكما وجميع الأشياء معروضة على العلم وهو الميزان لها فالمفردات بتصورها والأحكام الصحيحة بصدقها والباطلة بصدق نقيضها.