عند الإطلاق بالحقيقة المطلقة من أين قلت من جهة إطلاق المتكلم فصار إطلاقه قيدا في اللفظ.
فإن قلت من المعلوم أنه ليس في اللفظ فهل يقولون إن ذلك قرينة حالية أو لفظية وهي متوسطة بين القرائن الملفوظ بها والقرائن الحالية وهي هيئة صادرة من المتكلم عند كلامه وذلك أن الكلام قد يخرج عن كونه كلاما بالزيادة والنقصان وقد لا يخرج عن كونه كلاما ولكن يتغير معناه بالتقييد.
فإنك إذا قلت قام الناس كان كلاما يقتضي إخبارك بقيام جميع الناس فإذا قلت إن قام الناس خرج عن كونه كلاما بالكلية فإذا قلت قام الناس إلا زيدا لم يخرج عن كونه كلاما ولكن خرج عن اقتضاء قيام جميعهم إلى قيام ما عدا زيدا وقد علمت أن لإفادة قام الناس الإخبار بقيام جميعهم شرطين:
أحدهما: ألا يبتدئه بما يخالفه وله شرط ثالث أيضا وهو أن يكون صادرا عن قصد فلا عبرة بكلام الساهي والنائم فهذه ثلاثة شروط.
فإن قلت من أين لنا اشتراط ذلك واللفظ وحده كاف في الإفادة لأن الواضع وضعه لذلك؟
قلت وضع الواضع له معناه أنه جعله متهيأ لأن يفيد ذلك المعنى عند استعمال المتكلم له على الوجه المخصوص والمقيد في الحقيقة إنما هو المتكلم واللفظ كالآلة الموضوعة لذلك.
فإن قلت لو سمعنا قام الناس ولم تعلم من قائله هل قصده وهل ابتدأه أو ختمه بما يغيره هل لنا أن نخبر عنه بأنه قال قام الناس؟
قلت قد تقدم الجواب عن هذا في أول باب اللغات وكذلك ما قبله وبالله التوفيق.
وإنما دعا إلى ذكر هذا البحث جميعه الاعتراض على قول المصنف الجمع المطلق وأنه كان الأسد أن يقول مطلق الجمع فساق النظر إلى ذكر هذه المباحث الجليلة.