ومنهم من اشترط الأولوية في مفهوم الموافقة وهو قضية ما نقله إمام الحرمين عن كلام الشافعي رضي الله عنه في الرسالة حيث قال في البرهان نحن نسرد معاني ككلامه في الرسالة ثم قال أما مفهوم الموافقة فهو ما يدل على أن الحكم في المسكوت عنه موافق الحكم في المنطوق من جهة الأولى انتهى وهو مقتضى كلام الشيخ أبي إسحاق في شرح اللمع وغيره وعليه جرى ابن الحاجب لكنه قال بعد ذلك في مفهوم المخالفة شرطه ألا يظهر أولوية ولا مساواة في المسكوت عنه فيكون موافقة فاضطرب كلامه.
الرابع: اللازم عن المركب وهو مخالف لمدلول المركب في الحكم وهذا هو مفهوم المخالفة ويسمى دليل الخطاب وهو أصناف ذكر المصنف منها أربعة وذهب أبو حنيفة إلى نفس القول بمفهوم المخالفة مطلقا ووافقه جمع من الأصوليين.
قال إمام الحرمين وأما منكروا الصيغ لما يتطرق إليها من تقابل الظنون فلا شك أنهم ينكرون المفهوم فإن تقابل الظنون فيه أوضح فهو بالتوفيق أولى وشيخنا أبو الحسن مقدم الموافقة وقد فعل النقلة عنه رد الصيغة والمفهوم وفي كلامه ما يدل على المفهوم والقول به فإن تعلق في مسألة الرؤية بقوله تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ١ وقال لما ذكر الحجاب في إذلال الأشقياء أشعر ذلك بنقيضه في السعداء وقد تحققت على طول بحثي عن كلام أبي الحسن أنه ليس من منكري الصيغ على ما اعتقده معظم النقلة ولكنه قال في مفاوضاته مع أصحاب الوعيد بإنكار الصيغ وآل سر مذهبه إلى إنكار التعلق بالظواهر فيما ينبغي القطع فيه ولا نرى له المنع من العمل بقضايا الظوهر في مظان الظنون وقد باح القاضي رضي الله عنه بجحد الصيغ وصرح بنفي المفهوم.