الجمهور واستدلوا عليه بأن كل عاقل مارس الحدود والرسوم أو لم يمارس شيئا البتة يأمر وينهى ويفرق بالبديهة بين طلب الفعل وطلب الترك وبينهما وبين المفهوم من الخبر وهذا الدليل قد أكثر الإمام التعويل عليه وهو مدخول من وجوه:
أحدها: أنه لا يلزم من الحكم بالتفرقة بين الشيئين بالبديهة معرفة كنه حقيقتهما بل قد لا يعرف الحكم بالتفرقة ماهية ذلك الشيء فضلا عن أن يعرفه بالبديهة ألا ترى أن كل أحد يعلم من نفسه أنه موجود بالبديهة ويفرق بين الإنسان والملك والطائر والفرس ولا يدري ماهية نفسه ولا ماهية الملك ولا الطائر والفرس معرفة خاصيته بالجنس والفصل.
الثاني: أن قوله يفرق بين طلب الفعل وطلب الترك بالبديهة وكذا بينهما وبين الخبر يلزم منه أن تكون هذه الأشياء بديهة على ما قرر وإذا كان كذلك فلم حد ماهية الأمر قبل ذلك.
الثالث: أن بحثه عن هذا المعنى هو بحث عن هذا الكلام وهذا متناقض ثم هو اعني الطلب مغاير للعبارات المختلفة باختلاف النواحي والأمم ومغاير للإرادة أما مغايرته للعبارات فواضح فإن ماهية الطلب معنى قائم بقلب المتكلم لا يختلف بذلك بخلاف العبارات المختلفة.
هذا شرح قول المصنف.
وقوله: المختلفة ليس لإخراج شيء صفة جاءت للتوضيح أي أن شأن العبارات أنها مختلفة ولو قال بدل ذلك لاختلافها لكان أصرح وأحسن وأما مغايرته للإرادة والخلاف فيه مع المعتزلة فلوجهين:
أحدهما: أن الإيمان من الكفار مطلوب بالإجماع ومنهم من أخبر الله تعالى بأنه لا يؤمن فكان إيمانه ممتنعا لإخبار الله تعالى بعدمه كما عرفت في مسألة تكليف المحال والممتنع لا يكون مرادا لله تعالى لأن الإرادة صفة مخصصة لحدوث الفعل بوقت حدوثه والشيء إذا لم يوجد لكونه ممتنعا امتنعت إرادته لعدم تخصصه بوقت الحدوث ويلزم من هذا مغايرة الطلب الذي هو مدلول