للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد وليس كذلك بل لا يعصون للزمان الماضي والحال لقرينة قوله ما أمرهم ويفعلون للمستقبل لقرينة قوله ما يؤمرون فتقدير الآية لا يعصون الله ما أمرهم في الماضي والحال ويفعلون ما يأمرهم به في المستقبل هذا تقرير الاعتراض وجوابه وهنا مناقشتان:

إحداهما: في قوله: لو كان العصيان ترك الأمر وذلك لان النزاع إنما هو في ان تارك الأمر عاص أم لا لا في ان العصيان هل هو ترك الأمر أم لا وكيف يقال ذلك والعصيان قد يقع بترك الفعل الذي يجب اتباعه فكان الصواب ان يقول قيل لو كان تارك الأمر عاصيا.

والثانية: قوله معنى الآية لا يعصون الله ما أمرهم في الماضي قال القرا في بعيد من جهة ان النحاة نصوا على ان لا لنفي المستقبل واستعمالهما بمعنى لم قليل مجاز فيجتمع المجاز في الفعل المضارع وفي لا ايضا فكان الأحسن في الجواب ان يقال لا نسلم التكرار بل قال بعض العلماء: ان قوله تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} إخبار عن الواقع منهم أي عدم المعصية دائما وقوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} إخبار عن سجياتهم التي طبعوا عليها يعني ان سجيتهم الطاعة فيكون أحدهما خبرا عن الواقع مهم والآخر خبر عن السجية التي فطروا عليها فلا تكرار والفعل المضارع قد كثر استعماله في الحالة المستمرة كقولهم زيد يعطي ويمنع ويصل ويقطع وقول خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتعين على نوائب الدهر أي ذلك شانك في كل وقت وهو مجاز واحد في المضارع مشهور فيكون أولى من مجازين في الفعل والحرف وأحدهما قليل جدا.

الوجه الثاني: انا لا نسلم كلية المقدمة الثانية ونقول ليس المراد بقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} كل عاص بل للكفار فقط ويدل على ذلك قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} فان غير الكافر لا يخلد في النار أجاب عنه بأن الخلود في اللغة المكث الطويل الصادق على الدائم وغيره وليس هو الدائم فقط بل هو حقيقة في القدر المشترك حذرا من الاشتراك والمجاز.

<<  <  ج: ص:  >  >>