ولك ان تقول ما ذكرتموه في هذين الحديثين منقدح إذا قلنا ان الصحة والفساد مما يعتوران الماهية الجعلية أما إذا قلنا الفساد يزيل اسمها فنفي الحقيقة موجود.
الثاني: ان يكون أحد المجازيين أظهر عرفا أشهر كقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن امتي الخطأ والنسيان" فإن ظاهره رفع نفس الحرج ونفس النسيان وليس بمراد فتعيين حمله على المجاز بإضمار الحكم أي حكم الخطأ والنسيان والحرج يعني الإثم أي اثمهما والحمل على الإثم اظهر من جهة العرف لتبادره الى الذهن من قول السيد لعبده رفعت عنك الخطأ والنسيان ولأنه لو قال ذلك ثم اخذ يعاقبه على ما اخطأ فيه أو نسيه عد مناقضا.
واعلم ان الحديث الذي أورده المصنف رواه الحافظ أبو القاسم التيمي من حديث ابن عباس وروى ابن ماجه معناه وصححه ابن حبان وقال احمد لا يثبت.
والثالث: ان يكون اعظم مقصودا من غيره كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وقوله عليه السلام في البحر: "الحل ميتته" فان حقيقة اللفظ إضافة الحرمة والحل الى نفس العين كما ذهب إليه الكرخي وهو عندنا باطل لأن الأحكام عندنا إنما تتعلق بالأفعال المقدورة للمكلف وليست العين كذلك فلا تتعلق بها حل ولا حرمة فيتعين المجاز بالإضمار فيضمر أما الأكل أو البيع أو نحوهما والأكل أولى لأنه اعظم المقصود من تلك الأشياء عرفا فيحمل اللفظ عليه.
وقد ذهب جماعة من الأصوليين الى دعوى الإجمال في الأمثلة المذكورة متمسكين بأن الحقيقة غير مرادة والمجازات متعددة فلا يضمر الجميع لأن الضرورة تندفع بالبعض وليس بعضها من بعض فيترجح الإجمال والجواب لنا نضمر البعض ولا نسلم عدد الأولوية فإن بعضها أرجح وأولى لما تقدم.
واعلم ان المجمل ليس منحصرا فيما ذكره بل بقيت أشياء أهملها:
أحدها: الإجمال العارض للفظ بواسطة الإعلال كالمختار فإنه صالح لاسم الفاعل واسم المفعول.