استدلال أبي مسلم بالآية لما ذكر من ان الحمل على واحد يقتضي الترجيح من غير مرجح.
قلت: الحمل على البعض أولى لوقوع الاتفاق عليه اذ من حمل على الكل حمل البعض من غير عكس وقد أجاب الإمام بأن المراد ان هذا الكتاب لم يتقدمه من كتب الله تعالى ما يبطله ولا يأتيه من بعده وأجاب غيره بأن النسخ ليس باطلا إذ هو حق والباطل يضاد الحق فوجب حمل الباطل على غير النسخ وكلا الجوابين صحيح حسن قال الثالثة يجوز نسخ الوجوب قبل العمل خلافا للمعتزلة.
كل نسخ على التحقيق فهو واقع قبل الفعل فإنه إنما يرد على مستقبل الزمان دون ماضيه وهذا واضح وإنما الخلاف في انه هل يجوز ان يقال صل غدا ركعتين ثم انه ينسخه قبل مجيء الغد فجوز ذلك الجماهير من أصحابنا وخالفت المعتزلة وكثير من الحنفية والحنابلة وهذه هي المسألة الملقبة بنسخ الشيء قبل حضور وقت العمل به والمصنف عبر عنها بنسخ الوجوب قبل العمل وهذا يوهم اختصاص المسألة بالوجوب وليس كذلك.
والتعبير الأول غير واف بالمقصود ايضا لأنه قد يقال انه لا يتناول ما إذا حضر وقت العمل به لكنه لم يمض مقدار ما يسعه وهذه الصورة من صور النزاع وقد يعتذر المعبر بهذه العبارة بأنه لا يتصور حضور وقت العمل به الا إذا مضى ما يسعه ولو عبر عنها بنسخ الشيء قبل مضي مقدار ما يسعه من وقته لتناول جميع صور النزاع من غير شك وعلى هذا يجوز النسخ بعد مضي مقدار ما يسعه وان لم يكن قد فعل المأمور به قال الهندي وفي بعض المؤلفات القديمة أن بعضهم كالكرخي خالف فيه أيضا وقال لا يجوز النسخ قبل الفعل سواء مضى من الوقت مقدار ما يسعه أم لم يمض والمصنف أطلق قوله قبل العمل وهو يقتضي ان الخلاف جار من غير فرق بين الوقت وما قبله وما بعده فأما قبله وفي معناه ما إذا دخل ولكن لم يمض زمن يسع الفعل فقد عرفت انه محل النزاع وأما بعد