أحدهما: أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال سيكذب علي فان صح هذا الحديث لزم وقوع الكذب عليه ضرورة صدقه فيما يقوله به وان لم يصح مع كونه روي عنه فقد حصل الكذب فيما روي عنه ضرورة ان هذا الخبر من جملة ما روي عنه لكن على هذا التقدير يتعين الموضوع عليه وهو هذا الخبر والدعوى كانت مبهمة في بعض غير معين فان قلت تلزم صحته ولا يلزم وقوع الكذب في الماضي الذي هو المدعي لأنه قال سيكذب بصيغة المضارع فيجوز ان يقع في المستقبل قلت السين الداخلة على يكذب وان دلت على الاستقبال فإنما تدل على استقبال قليل بخلاف سوف كما نصوا عليه وقد حصل هذا الاستقبال القليل بزيادة واعلم ان هذا الحديث لا يعرف ويشبه ان يكون موضوعا.
الثاني: ان من جملة ما روي عنه صلى الله عليه وسلم ما لا يقبل التأويل إما لمعارضة الدليل العقلي أو غير ذلك مما يوجب عدم قبوله للتأويل فيمتنع صدوره عنه عليه السلام قطعا.
قال وسببه نسيان الراوي أو غلطة أو افتراء الملاحدة لننفير العلل سبب وقوع الكذب عليه صلى الله عليه وسلم اما نسيان الراوي لطول عهد بالخبر المسموع أو غير ذلك فربما لحمل النسيان على نقص ما يخل بالمعنى أو رفع ما هو موقوف أو غير ذلك من آفات النسيان واما غلطة بأن أراد النطق بلفظ فسبق لسانه إلى سواه أو وضع لفظا مكان آخر ظانا انه يؤدي معناه واما افتراء الزنادقة وغيرهم من أعداء الدين الذين وضعوا أحاديث تخالف العقول ونسبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم تنفيرا للعقلاء عن شريعته المطهرة وقد يقع الوضع من متهالك على حب الجاه كما وضعوا في دولة بني العباس رضي الله عنه نصوصا دالة على إمامة العباس وذريته ومن الغواة المتعصبين من وضع أحاديث لتقرير مذهبه ودفع خصومه ومنهم من جوز وضع الأحاديث للترغيب في الطاعة والترهيب عن المعصية فوقع منه الوضع في ذلك وأسباب الوضع كثيرة لأنها تختلف باختلاف أغراض الفسقة المتمردين والزنادقة المبتدعين والله اعلم.