الفتوى والشهادة يقتضيان شرعا خاصا ببعض الناس وهو المستفتي والمشهود له او عليه بخلاف الرواية فانها تقتضي شرعا عاما لكل الناس فلا يلزم من تجويز العمل بالظن الذي هو معرض الخطأ والصواب في حق الواحد تجويز العمل به في حق كافة الناس.
وأجيب بان هذا مردود شرعية اصل الفتوى فإنه امر لكل الخلق باتباع الظن وفيه نظر فإن عموم شرع الفتوى ليس كعموم شرع الرواية لأن الرواية تشمل المكلفين أجمعين والفتوى ليست حجة على المجتهدين فكان العموم فيها دون العموم في الرواية وايضا فالمسألة علمية والقياس غير كاف فيها وقد ذكر القاضي في مختصر التقريب هذا الوجه اعني القياس على الفتوى والشهادة.
وقال لست اختار لك التمسك به فانك تكون في ذلك طاردا ولا تستمر ولا تلك على سير الاصوليين وقصاراه ان يقول لك الخصم قد ثبت الفتوى والشهادة بدلالة قاطعة لم يثبت الخبر فتلجئك الضرورة الى ذكر الأدلة على وجوب العمل بخبر الواحد هنا تقرير الاوجه المذكورة في هذا الكتاب.
والمختار عندي في ذلك طريقة القاضي وعصبته كإمام الحرمين والغزالي وغيرهما وهي الاستدلال على وجوب العمل بخبر الواحد بمسلكين قاطعين لا يماري فيهما منصف.
أحدهما: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على قبول خبر الواحد وذلك في وقائع شتى لا تنحصر واحادها ان لم تتواتر فالمجموع منها متواتر ولو اردنا استيعابها لطالت الانفاس وانتهى القرطاس فلا وجه لتعدادها اذ نحن على قطع بالقدر المشترك منها وهو رجوع الصحابة الى خبر الواحد اذا نزلت بهم المعضلات واستكشافهم عن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم عند وقوع الحادثات واذا روى لهم تشرعوا الى العمل به فهذا ما لا سبيل إلى جحده ولا إلى حصر الأمر فيه.
فإن قيل لئن ثبت عنهم العمل بأخبار الآحاد فقد ثبت عنهم ردها فأول من ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لما سلم من اثنين فقال له ذو اليدين اقصرت الصلاة