والوجه الثاني: قال الإمام وهو الأقوى أنا نعلم بالضرورة ان الصحابة الذين رووا هذه الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يكتبونها في ذلك المجلس ولا يكررون عليها فيه بل كما سمعوها تركوها وما رووها إلا بعد الاعصار والسنين وذلك يوجب القطع بتعذر روايتها على تلك الألفاظ.
والثالث: أن الصحابة رضي الله عنهم ربما نقلوا القصة الواحدة بألفاظ مختلفة وكتب الحديث تشهد بذلك ومن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر تلك القصة بجميع تلك الألفاظ بل نحن في بعضها قاطعون بذلك وكان هذا شائعا بينهم ذائعا غير منكر من أحد فكان إجماعا على نقل الحديث بالمعنى.
قال أبو المظفر بن السمعاني ومما يدل على ذلك رواية الصحابي المناهي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل نهيه عن بيعتين في بيعة ونهيه عن المحاقلة والمزانية وحبل الحبلة والنجش وبيع حاضر لباد وغير ذلك وقوله قضى بالشاهد واليمين والشفعة فيما لم ينقسم فمعلوم أن الرواة لم يقصدوا الفاظه في هذه الاخبار وإنما حكوا المعنى.
والرابع: أنا نعلم أن الالفاظ خدم للمعاني وليست مقصودة بالذات إلا في القرآن العزيز لكونه معجزا والمعنى هو المقصود فإذا حصل تاما لم يضر اختلاف الالفاظ وليس للفقيه أن يعترض على هذا بكلمات الأذان والتشهد والتكبير ولفظي النكاح والتزويج وغير ذلك مما تعبدنا فيه بالألفاظ لأن الألفاظ مقصودة فيه مع المعاني وكلامنا حيث لا يكون اللفظ مقصود أو احتج من منع نقل الحديث بالمعنى بأن ذلك مؤد إلى طمسه واندراسه لأن الراوي إذا أراد النقل بالمعنى كان غايته الاجتهاد في طلب ألفاظ توافق ألفاظ الحديث وتؤدي معناه.
وأهل العلم على أشد اختلاف في معاني الألفاظ وفهم دقائقها والوقوع على أشد اختلاف في معاني الألفاظ وفهم دقائقها والوقوع على مواقعها فيجوز أن يغفل عن بعض تلك الدقائق وينقله إلى لفظ آخر غير دال على تلك الدقيقة ثم يتصل الخبر بالطبقة الثانية وهو خال من تلك الدقيقة فينقلوه أيضا بالمعنى ويدعون منه نحو ما ترك الأول منه وهلم جرا حتى يقع التفاوت الكثير.