قوله: لما ثبت أنه لا يجوز إجراء اللفظ على ظاهره إلى آخره وهو سؤال قوي.
ويمكن أن يقال في جوابه أن الخصم المدعي أن ظاهر الآية موضوع اللفظ وهو تعديل كل واحد وهو غير مراد.
والإمام أجاب بمنع كونها متروكة الظاهر ومراد الإمام بظاهرها غير مراد الخصم فقوله لا نسلم أنها متروكة الظاهر يعنى بالمعنى الذي نعنيه نحن بالظاهر وقوله لما ثبت أنه لا يجوز إجراء اللفظ على ظاهره يعني ظاهره الذي عينتموه أنتم وظاهرها عند الإمام أن الأمة لا تخلو عن العدول وهو غير موضوع اللفظ وظاهرها عند الخصم موضوع اللفظ وهذا أقصى ما يقال في الجواب.
وقد قيل مثله في آيات الصافات فادعى بعض الباحثين المتأولين أهل السنة أن ظاهرها هو المعنى الذي أولت عليه لأنه لما ثبت ان إجراء اللفظ على موضوعه ممتنع وجب حمله على ذلك المعنى.
وكان هو الظاهر ومثل هذا يقول الملك المتغلب في حال قهره وسطوته على عدوه الخسيس أنا فوقك ويدي عليك قال فإن ظاهر هذا اللفظ المتبادر إلى الفهم غير ما هو موضوعه فليس كل ما هو موضوع اللفظ يكون ظاهره وكذلك قولك رأيت أسدا يرمي بالنشاب ليس ظاهره إلا المجاوز وهو غير الموضوع الحقيقي فقد تقرر كلام الإمام.
فإن قلت سلمنا أن الآية ليست متروكة الظاهر لكن لا نسلم ان الوسط من كل شيء خياره ويدل عليه وجهان.
الأول: أن العدالة من فعل العبد إذ هي عبارة عن أداء الواجبات واجتناب الموبقات وقد أخبر الله تعالى أنه جعلهم أمة وسطا فاقتضى أن كونهم وسطا من فعل الله تعالى فظهر أن العدالة غير الوسط.
الثاني: سلمنا أنه تعالى عدلهم لكن تعديلهم ليشهدوا على الناس يوم القيامة فيلزم وجوب تحقق عدالتهم يومئذ لأن عدالة الشهود إنما تعتبر حالة الآداء