النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ: الْإِيضَاحُ بَعْدَ الْإِبْهَامِ
قَالَ أَهْلُ الْبَيَانِ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُبْهِمَ ثُمَّ تُوَضِّحَ فَإِنَّكَ تُطْنِبُ؛ وَفَائِدَتُهُ إِمَّا رُؤْيَةُ الْمَعْنَى فِي صُورَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ الْإِبْهَامِ وَالْإِيضَاحِ أَوْ لِتَمَكُّنِ الْمَعْنَى فِي النَّفْسِ تَمَكُّنًا زَائِدًا لِوُقُوعِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ فَإِنَّهُ أَعَزُّ مِنَ الْمُنْسَاقِ بِلَا تَعَبٍ أَوْ لِتَكْمُلَ لَذَّةُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْءَ إِذَا عُلِمَ مِنْ وَجْهٍ مَا تَشَوَّقَتِ النَّفْسُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ بَاقِي وُجُوهِهِ وَتَأَلَّمَتْ فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ مِنْ بَقِيَّةِ الْوُجُوهِ كَانَتْ لَذَّتُهُ أَشَدَّ مِنْ عِلْمِهِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} فَإِنَّ {اشْرَحْ} يُفِيدُ طَلَبَ شَرْحِ شَيْءٍ مَا وَ {صَدْرِي} يُفِيدُ تَفْسِيرَهُ وَبَيَانَهُ وَكَذَلِكَ {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ لِلْإِرْسَالِ الْمُؤْذِنِ بِتَلَقِّي الشَّدَائِدِ وَكَذَلِكَ {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}
فَإِنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ لِأَنَّهُ مَقَامُ امْتِنَانٍ وَتَفْخِيمٍ وَكَذَا {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}
وَمِنْهُ التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ نَحْوُ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} وَعَكْسُهُ كَقَوْلِهِ: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} أُعِيدَ ذِكْرُ"الْعَشَرَةِ"لِرَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْوَاوَ فِي"وَسَبْعَةٍ"، بِمَعْنَى"أَوْ" فَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ دَاخِلَةً فِيهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ثُمَّ قَالَ: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute