مَنْ أَهْدَى سَبِيلًا؟ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَمْ نَحْنُ؟ فَقَالُوا: أَنْتُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِمَا فِي كِتَابِهِمْ مِنْ نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْطَبِقِ عَلَيْهِ وَأَخْذِ الْمَوَاثِيقِ عليهم ألا يَكْتُمُوهُ فَكَانَ ذَلِكَ أَمَانَةً لَازِمَةً لَهُمْ وَلَمْ يُؤَدُّوهَا حَيْثُ قَالُوا لِلْكُفَّارِ أَنْتُمْ أَهْدَى سَبِيلًا حَسَدًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَعَ هَذَا الْقَوْلِ التَّوَعُّدَ عَلَيْهِ الْمُفِيدَ لِلْأَمْرِ بِمُقَابِلِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ الَّتِي هِيَ بَيَانُ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِفَادَةِ أَنَّهُ الْمَوْصُوفُ فِي كِتَابِهِمْ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ أَمَانَةٍ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِأَمَانَةٍ هِيَ صِفَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِالطَّرِيقِ السَّابِقِ وَالْعَامُّ تَالٍ لِلْخَاصِّ فِي الرَّسْمِ مُتَرَاخٍ عَنْهُ فِي النُّزُولِ وَالْمُنَاسَبَةُ تَقْتَضِي دُخُولَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَاصُّ فِي الْعَامِّ وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَجْهُ النَّظْمِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ كِتْمَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ صِفَةَ محمد وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَهْدَى سَبِيلًا فَكَانَ ذَلِكَ خِيَانَةً مِنْهُمْ فَانْجَرَّ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ. انْتَهَى.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَرِدُ تَأَخُّرُ نُزُولِ آيَةِ الْأَمَانَاتِ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا بِنَحْوِ سِتِّ سِنِينَ لِأَنَّ الزَّمَانَ إِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ لَا فِي الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا وَضْعُ آيَةٍ فِي مَوْضِعٍ يُنَاسِبُهَا وَالْآيَاتُ كَانَتْ تُنَزَّلُ عَلَى أَسْبَابِهَا وَيَأْمُرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضْعِهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي عَلِمَ مِنَ الِلَّهِ أَنَّهَا مَوَاضِعُهَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
قَالَ الْوَاحِدِيُّ: لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْكِتَابِ إِلَّا بِالرِّوَايَةِ وَالسَّمَاعِ مِمَّنْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ وَوَقَفُوا عَلَى الْأَسْبَابِ وَبَحَثُوا عَنْ عِلْمِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute