وَاشْتَمَلَتْ سُورَةُ "ص" عَلَى خُصُومَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَأَوَّلُهَا خُصُومَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْكُفَّارِ وَقَوْلُهُمْ: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} ثُمَّ اخْتِصَامُ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَ دَاوُدَ ثُمَّ تُخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ اخْتِصَامُ الْمَلَأِ الْأَعْلَى ثُمَّ تُخَاصُمُ إِبْلِيسَ فِي شَأْنِ آدَمَ ثُمَّ فِي شَأْنِ بَنِيهِ وَإِغْوَائِهِمْ
وَ "الم" جَمَعَتِ الْمَخَارِجَ الثَّلَاثَةَ الْحَلْقَ وَاللِّسَانَ وَالشَّفَتَيْنِ عَلَى تَرْتِيبِهَا وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْبِدَايَةِ الَّتِي هِيَ بَدْءُ الْخَلْقِ وَالنِّهَايَةِ الَّتِي هِيَ بَدْءُ الْمِيعَادِ وَالْوَسَطِ الَّذِي هُوَ الْمَعَاشُ مِنَ التَّشْرِيعِ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَكُلُّ سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِهَا فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ
وَسُورَةُ الْأَعْرَافِ زِيدَ فِيهَا الصَّادُ عَلَى "الم" لِمَا فِيهَا مِنْ شَرْحِ الْقَصَصِ قِصَّةِ آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى "المص" {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وَزِيدَ فِي الرَّعْدِ رَاءً لِأَجْلِ قَوْلِهِ: {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ} وَلِأَجْلِ ذِكْرِ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَغَيْرِهِمَا
وَاعْلَمْ أَنَّ عَادَةَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} ، {المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} {طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} {يس وَالْقُرْآنِ} {ص وَالْقُرْآنِ} {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} {ق وَالْقُرْآنِ} إِلَّا ثَلَاثَ سُوَرٍ: الْعَنْكَبُوتِ وَالرُّومِ ون لَيْسَ فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرْتُ حِكْمَةَ ذَلِكَ فِي "أسرار التنزيل"
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute