الْقُصْوَى مِنَ الْفَصَاحَةِ؛ وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْعَرَبَ كَانَ فِي قُدْرَتِهَا الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ فَصُرِفُوا عَنْ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي قُدْرَةِ أَحَدٍ قَطُّ وَلِهَذَا تَرَى الْبَلِيغَ يُنَقِّحُ الْقَصِيدَةَ أَوِ الْخُطْبَةَ حَوْلًا ثُمَّ يَنْظُرُ فِيهَا فَيُغَيِّرُ فِيهَا وَهَلُمَّ جَرًّا وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ نُزِعَتْ مِنْهُ لَفْظَةٌ ثُمَّ أُدِيرَ لِسَانُ الْعَرَبِ عَلَى لَفْظَةٍ أَحْسَنَ مِنْهَا لَمْ يُوجَدْ وَنَحْنُ تَتَبَيَّنُ لَنَا الْبَرَاعَةُ فِي أَكْثَرِهِ وَيَخْفَى عَلَيْنَا وَجْهُهَا فِي مَوَاضِعَ لِقُصُورِنَا عَنْ مَرْتَبَةِ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ فِي سَلَامَةِ الذَّوْقِ وَجَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ وَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَى الْعَالَمِ بِالْعَرَبِ إِذْ كَانُوا أَرْبَابَ الْفَصَاحَةِ وَمَظَنَّةَ الْمُعَارَضَةِ كَمَا قَامَتِ الْحُجَّةُ فِي مُعْجِزَةِ مُوسَى بِالسَّحَرَةِ وَفِي مُعْجِزَةِ عِيسَى بِالْأَطِبَّاءِ فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا جَعَلَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ بِالْوَجْهِ الشَّهِيرِ أَبْرَعَ مَا تَكُونُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ الَّذِي أَرَادَ إِظْهَارَهُ فَكَانَ السِّحْرُ قَدِ انْتَهَى فِي مُدَّةِ مُوسَى إِلَى غَايَتِهِ وَكَذَلِكَ الطِّبُّ فِي زَمَنِ عِيسَى وَالْفَصَاحَةُ فِي زَمَنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ حَازِمٌ فِي مِنْهَاجٍ الْبُلَغَاءِ: وَجْهُ الْإِعْجَازِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ اسْتَمَرَّتِ الْفَصَاحَةُ وَالْبَلَاغَةُ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَنْحَائِهَا فِي جَمِيعِهِ اسْتِمْرَارًا لَا يُوجَدُ لَهُ فَتْرَةٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ وَكَلَامُ الْعَرَبِ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِلُغَتِهِمْ لَا تَسْتَمِرُّ الْفَصَاحَةُ وَالْبَلَاغَةُ فِي جَمِيعِ أَنْحَائِهَا فِي الْعَالِي مِنْهُ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الْمَعْدُودِ ثُمَّ تَعْرِضُ الْفَتَرَاتُ الْإِنْسَانِيَّةُ فَيَنْقَطِعُ طَيِّبُ الْكَلَامِ وَرَوْنَقُهُ فَلَا تَسْتَمِرُّ لِذَلِكَ الْفَصَاحَةُ فِي جَمِيعِهِ بَلْ تُوجَدُ فِي تَفَارِيقَ وَأَجْزَاءٍ مِنْهُ.
وَقَالَ الْمُرَّاكِشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِصْبَاحِ: الْجِهَةُ الْمُعْجِزَةُ فِي الْقُرْآنِ تُعْرَفُ بِالتَّفَكُّرِ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ وَهُوَ كَمَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ فِي تَعْرِيفِهِ مَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنِ الْخَطَأِ فِي تَأْدِيَةِ الْمَعْنَى وَعَنْ تعقيده وتعرف بِهِ وُجُوهُ تَحْسِينِ الْكَلَامِ بَعْدَ رِعَايَةِ تَطْبِيقِهِ لِمُقْتَضَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute