وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: وُجُوهُ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ تَظْهَرُ مِنْ جِهَاتِ تَرْكِ الْمُعَارَضَةِ مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي وَشِدَّةِ الْحَاجَةِ وَالتَّحَدِّي لِلْكَافَّةِ وَالصِّرْفَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْإِخْبَارِ عَنِ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَنَقْضِ الْعَادَةِ وَقِيَاسِهِ بِكُلِّ مُعْجِزَةٍ قَالَ وَنَقْضُ الْعَادَةِ هُوَ أَنَّ الْعَادَةَ كَانَتْ جَارِيَةً بِضُرُوبٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ مَعْرُوفَةٍ مِنْهَا الشِّعْرُ وَمِنْهَا السَّجْعُ وَمِنْهَا الْخُطَبُ وَمِنْهَا الرَّسَائِلُ وَمِنْهَا الْمَنْثُورُ الَّذِي يَدُورُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ فَأَتَى الْقُرْآنُ بِطَرِيقَةٍ مُفْرَدَةٍ خَارِجَةٍ عَنِ الْعَادَةِ لَهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْحُسْنِ تَفُوقُ بِهِ كل طريقة وتفوق الْمَوْزُونُ الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ الْكَلَامِ قَالَ: وَأَمَّا قِيَاسُهُ بِكُلِّ مُعْجِزَةٍ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ إِعْجَازُهُ مِنْ هَذِهِ الجهة إذ كَانَ سَبِيلُ فَلْقِ الْبَحْرِ وَقَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى فِي ذَلِكَ سَبِيلًا وَاحِدًا فِي الْإِعْجَازِ إِذْ خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ وقعد الْخَلْقَ فِيهِ عَنِ الْمُعَارَضَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَا: اعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنْطَوٍ عَلَى وُجُوهٍ مِنَ الْإِعْجَازِ كَثِيرَةٍ وَتَحْصِيلُهَا مِنْ جِهَةِ ضَبْطِ أَنْوَاعِهَا فِي أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ:
أَوَّلُهَا: حُسْنُ تَأْلِيفِهِ وَالْتِئَامُ كَلِمِهِ وَفَصَاحَتُهُ وَوُجُوهُ إِيجَازِهِ وَبَلَاغَتُهُ الْخَارِقَةُ عَادَةُ الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ فُرْسَانُ الْكَلَامِ وَأَرْبَابُ هَذَا الشَّأْنِ.
الثاني: صُورَةُ نَظْمِهِ الْعَجِيبِ وَالْأُسْلُوبُ الْغَرِيبُ الْمُخَالِفُ لِأَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِنْهَاجِ نَظْمِهَا وَنَثْرِهَا الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ وَوَقَفَتْ عَلَيْهِ مَقَاطِعُ آيَاتِهِ وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ فَوَاصِلُ كَلِمَاتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ نَظِيرٌ لَهُ قَالَ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ الْإِيجَازِ وَالْبَلَاغَةِ بِذَاتِهَا وَالْأُسْلُوبِ الْغَرِيبِ بِذَاتِهِ نَوْعُ إِعْجَازٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لَمْ تَقْدِرِ الْعَرَبُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute