للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخْتَلِفَةٍ لِأَنَّ الشُّعَرَاءَ وَالْفُصَحَاءَ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ فَتَارَةً يَمْدَحُونَ الدُّنْيَا وَتَارَةً يَذُمُّونَهَا وَتَارَةً يَمْدَحُونَ الْجُبْنَ وَيُسَمُّونَهُ حَزْمًا وَتَارَةً يَذُمُّونَهُ وَيُسَمُّونَهُ ضَعْفًا وَتَارَةً يَمْدَحُونَ الشَّجَاعَةَ وَيُسَمُّونَهَا صَرَامَةً وَتَارَةً يَذُمُّونَهَا وَيُسَمُّونَهَا تهورا ولا ينفك عن كَلَامٌ آدَمِيٌّ عَنْ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ لِأَنَّ مَنْشَأَهَا اختلاف الأغراض والأحوال وَالْإِنْسَانُ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُ فَتُسَاعِدُهُ الْفَصَاحَةُ عِنْدَ انْبِسَاطِ الطَّبْعِ وَفَرَحِهِ وَتَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِانْقِبَاضِ وَكَذَلِكَ تَخْتَلِفُ أَغْرَاضُهُ فَيَمِيلُ إِلَى الشَّيْءِ مَرَّةً وَيَمِيلُ عَنْهُ أُخْرَى فَيُوجِبُ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي كَلَامِهِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يُصَادِفُ إِنْسَانٌ يَتَكَلَّمُ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً- وَهِيَ مُدَّةُ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَيَتَكَلَّمُ عَلَى غَرَضٍ وَاحِدٍ وَمِنْهَاجٍ وَاحِدٍ وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرًا تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَلَامَهُ أَوْ كَلَامَ غَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.

السَّابِعُ: قَالَ الْقَاضِي: فَإِنْ قِيلَ هَلْ تَقُولُونَ إِنَّ غَيْرَ الْقُرْآنِ من كلام الله معجز كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ؟ قُلْنَا: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمُعْجِزٍ فِي النَّظْمِ وَالتَّأْلِيفِ وَإِنْ كَانَ مُعْجِزًا كَالْقُرْآنِ فِيمَا يَتَضَمَّنُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ وإنما لَمْ يَكُنْ مُعْجِزًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَصِفْهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ الْقُرْآنَ وَلِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقَعِ التَّحَدِّي إِلَيْهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ اللِّسَانَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مِنْ وُجُوهِ الْفَصَاحَةِ مَا يَقَعُ فيه التَّفَاضُلُ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي الْخَاطِرِيَّاتِ فِي قَوْلِهِ: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} أن العدول عن قوله: "وما أَنْ نُلْقِي "لِغَرَضَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَفْظِيٌّ وَهُوَ الْمُزَاوَجَةُ لرؤوس الْآيِ وَالْآخَرُ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>