هَذِهِ الْجِبِلَّةِ وَنَقْلِهَا إِلَى صُورَةِ غَيْرِهَا صَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ لَنَا حَيَاةً أُخْرَى غَيْرَ هَذِهِ الْحَيَاةِ فِيهَا يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ وَالْعِنَادُ وَهَذِهِ هِيَ الْحَالَةُ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ بِالْمَصِيرِ إِلَيْهَا فَقَالَ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} حِقْدٍ فَقَدْ صَارَ الْخِلَافُ الْمَوْجُودُ كَمَا تَرَى أَوْضَحَ دَلِيلٍ عَلَى كَوْنِ الْبَعْثِ الَّذِي يُنْكِرُهُ الْمُنْكِرُونَ كَذَا قَرَّرَهُ ابْنُ السَّيِّدِ وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ وَاحِدٌ بِدَلَالَةِ التَّمَانُعِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ لَكَانَ لَا يَجْرِي تَدْبِيرُهُمَا عَلَى نِظَامٍ وَلَا يَتَّسِقُ عَلَى أَحْكَامٍ وَلَكَانَ الْعَجْزُ يَلْحَقُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا إِحْيَاءَ جِسْمٍ وَأَرَادَ الْآخَرُ إِمَاتَتَهُ فَإِمَّا أَنْ تَنْفُذَ إِرَادَتُهُمَا فَيَتَنَاقَضُ لاستحالة تجزي الْفِعْلِ إِنْ فُرِضَ الِاتِّفَاقُ أَوْ لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ إِنْ فُرِضَ الِاخْتِلَافُ وَإِمَّا أَلَّا تَنْفُذَ إِرَادَتُهُمَا فَيُؤَدِّي إِلَى عَجْزِهِمَا أَوْ لَا تَنْفُذَ إِرَادَةُ أَحَدِهِمَا فَيُؤَدِّي إِلَى عَجْزِهِ وَالْإِلَهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا.
فَصْلٌ
مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا فِي عِلْمِ الْجَدَلِ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ} الْآيَتَيْنِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا حَرَّمُوا ذُكُورَ الْأَنْعَامِ تَارَةً وَإِنَاثَهَا أُخْرَى رَدَّ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِطَرِيقِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ فَقَالَ: إِنَّ الْخَلْقَ لِلَّهِ خَلَقَ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مِمَّا ذَكَرَ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَمِمَّ جَاءَ تَحْرِيمُ مَا ذَكَرْتُمْ؟ أَيْ مَا عِلَّتُهُ؟ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute