تَنْبِيهٌ
قَدْ يُجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ الْأَحْرُفُ الَّتِي تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُبَيٍّ: "إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَأَرْسَلَ إلي أن اقرأه عَلَى حَرْفَيْنِ فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنِ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ بَلْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.
وَفِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ لِلسَّخَاوِيِّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَ بِنُزُولِ الْفَاتِحَةِ مَرَّتَيْنِ: إِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ نُزُولِهَا مَرَّةً ثَانِيَةً؟ قُلْتُ: يَجُوزُ أن يكون نَزَلَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَنَزَلَتْ فِي الثَّانِيةِ بِبَقِيَّةِ وُجُوهِهَا نَحْوُ مَلِكِ وَمَالِكِ وَالسِّرَاطَ وَالصِّرَاطَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. انْتَهَى.
أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ يَتَكَرَّرُ نُزُولُهُ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي كِتَابِ: "الْكَفِيلِ بِمَعَانِي التَّنْزِيلِ "وَعِلَلِهِ بِأَنَّ تَحْصِيلَ مَا هُوَ حَاصِلٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فَوَائِدِهِ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ مَرَّةً أُخْرَى فَإِنَّ جِبْرِيلَ كان يعارضه القرآن كُلَّ سَنَةٍ وَرَدَّ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ وَبِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْإِنْزَالِ إِلَّا أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ بِقُرْآنٍ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ بِهِ مِنْ قَبْلُ فيقرئه إِيَّاهُ. وَرَدَّ بِمَنْعِ اشْتِرَاطِ قَوْلِهِ: "لَمْ يَكُنْ نَزَلَ بِهِ مِنْ قَبْلُ " ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّهُمْ يَعْنُونَ بِنُزُولِهَا مَرَّتَيْنِ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ حِينَ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ فَأَخْبَرَ الرَّسُولُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ كَمَا كَانَتْ بِمَكَّةَ فَظَنَّ ذَلِكَ نُزُولًا لَهَا مَرَّةً أُخْرَى أَوْ أَقْرَأَهُ فِيهَا قِرَاءَةً أُخْرَى لَمْ يُقْرِئْهَا لَهُ بِمَكَّةَ فَظَنَّ ذَلِكَ إِنْزَالًا. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute