وَقَدْ يَسْتَدِلُّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ السِّلَفِيُّ فِي الطُّيُورِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: "أَعْرِبُوا الْقُرْآنَ يَدُلَّكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ"
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَأَجَلُّ الْعُلُومِ الثَّلَاثَةِ الشَّرْعِيَّةِ
قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ: أَشْرَفُ صِنَاعَةٍ يَتَعَاطَاهَا الْإِنْسَانُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ شَرَفَ الصِّنَاعَةِ إِمَّا بِشَرَفِ مَوْضُوعِهَا مِثْلَ الصِّيَاغَةِ فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنَ الدِّبَاغَةِ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الصِّيَاغَةِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْ مَوْضُوعِ الدِّبَاغَةِ الَّذِي هُوَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ وَإِمَّا بِشَرَفِ غَرَضِهَا مِثْلَ صِنَاعَةِ الطِّبِّ فَإِنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ صِنَاعَةِ الْكُنَاسَةِ لِأَنَّ غَرَضَ الطِّبِّ إِفَادَةُ الصِّحَّةِ وَغَرَضَ الْكُنَاسَةِ تَنْظِيفُ الْمُسْتَرَاحِ وَإِمَّا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا كَالْفِقْهِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ أَشَدُّ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الطِّبِّ إِذْ ما من واقعة من الْكَوْنِ فِي أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى الْفِقْهِ لِأَنَّ بِهِ انْتِظَامُ صَلَاحِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ بِخِلَافِ الطِّبِّ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ
إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَصِنَاعَةُ التَّفْسِيرِ قَدْ حَازَتِ الشَّرَفَ مِنَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعِ فَلِأَنَّ مَوْضُوعَهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ يَنْبُوعُ كُلِّ حِكْمَةٍ وَمَعْدِنُ كُلِّ فَضِيلَةٍ فِيهِ نبأ ما قبلكم وخبر مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ لَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْغَرَضِ فَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ هُوَ الِاعْتِصَامُ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَالْوُصُولُ إِلَى السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي لَا تَفْنَى وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ شِدَّةِ الْحَاجَةِ فَلِأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلِيٍّ أَوْ آجِلِيٍّ مُفْتَقِرٌ إِلَى الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الدِّينِيَّةِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute