للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلًا رَابِعًا أَنَّهُ نَزَلَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَأَنَّ الْحَفَظَةَ نَجَّمَتْهُ عَلَى جِبْرِيلَ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَنَّ جِبْرِيلَ نَجَّمَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً. وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ فِي رَمَضَانَ بِمَا يَنْزِلُ بِهِ عليه فِي طُولِ السَّنَةِ.

وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي.

قُلْتُ: هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنْ عِنْدِ الِلَّهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَنَجَّمَتْهُ السَّفَرَةُ عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ سَنَةً.

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: قِيلَ السِّرُّ فِي إِنْزَالِهِ جُمْلَةً إِلَى السَّمَاءِ تَفْخِيمُ أَمْرِهِ وَأَمْرِ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وذلك بإعلام سكان السموات السَّبْعِ أَنَّ هَذَا آخِرُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى خَاتَمِ الرُّسُلِ لِأَشْرَفِ الْأُمَمِ قَدْ قَرَّبْنَاهُ إِلَيْهِمْ لِنُنَزِّلَهُ عَلَيْهِمْ وَلَوْلَا أَنَّ الْحِكْمَةَ الْإِلَهِيَّةَ اقْتَضَتْ وُصُولَهُ إِلَيْهِمْ مُنَجَّمًا بِحَسْبِ الْوَقَائِعِ لَهَبَطَ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ جُمْلَةً كَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ قَبْلَهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ بَايَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَجَعَلَ لَهُ الْأَمْرَيْنِ: إِنْزَالُهُ جُمْلَةً ثُمَّ إِنْزَالُهُ مُفَرَّقًا تَشْرِيفًا لِلْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو شَامَةَ فِي الْمُرْشِدِ الْوَجِيزِ.

وَقَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا تَسْلِيمًا مِنْهُ لِلْأُمَّةِ مَا كَانَ أَبْرَزَ لَهُمْ مِنَ الْحَظِّ بمبعث مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>