فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِلِسَانِ الْقَوْمِ وَمُتَعَارَفِهِمْ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ بِإِزَاءِ الْحَذْفِ هَذَا لِلِاخْتِصَارِ وَالتَّخْفِيفِ وَهَذَا لِلتَّوْكِيدِ وَالتَّوْطِئَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى ذَلِكَ وَقَالَ: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَحْمُولَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ جَاءَتْ لِفَوَائِدَ وَمَعَانٍ تَخُصُّهَا فَلَا أَقْضِي عَلَيْهَا بِالزِّيَادَةِ.
قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالزِّيَادَةِ إِثْبَاتُ مَعْنًى لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَبَثٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ إِلَيْنَا بِهِ حَاجَةً لَكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْأَشْيَاءِ قَدْ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ فَلَيْسَتِ الْحَاجَةُ إِلَى اللَّفْظِ الَّذِي عَدَّهُ هَؤُلَاءِ زِيَادَةً كَالْحَاجَةِ إِلَى اللَّفْظِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَأَقُولُ: بَلِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ سَوَاءٌ بِالنَّظَرِ إِلَى مُقْتَضَى الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ كَانَ الْكَلَامُ دُونَهُ مَعَ إِفَادَتِهِ أَصْلَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ أَبْتَرَ خَالِيًا عَنِ الرَّوْنَقِ الْبَلِيغِيِّ لَا شُبْهَةَ فِي ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذَا يُسْتَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْإِسْنَادِ الْبَيَانِيِّ الَّذِي خَالَطَ كَلَامَ الْفُصَحَاءِ وَعَرَفَ مَوَاقِعَ اسْتِعْمَالِهَا وَذَاقَ حَلَاوَةَ أَلْفَاظِهِمْ وَأَمَّا النَّحْوِيُّ الْجَافِي فَعَنْ ذَلِكَ بِمُنْقَطَعِ الثَّرَى.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: قَدْ يَتَجَاذَبُ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابُ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بِأَنْ يُوجَدَ فِي الْكَلَامِ أَنَّ الْمَعْنَى يَدْعُو إِلَى أَمْرٍ وَالْإِعْرَابَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَالْمُتَمَسَّكُ به صحة المعنى ويؤول لِصِحَّةِ الْمَعْنَى الْإِعْرَابُ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} فَالظَّرْفُ الَّذِي هُوَ " يَوْمٌ " يَقْتَضِي الْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ " رَجْعٌ " أَيْ أَنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَقَادِرٌ لَكِنَّ الْإِعْرَابَ يَمْنَعُ مِنْهُ لِعَدَمِ جَوَازِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَمَعْمُولِهِ فَيُجْعَلُ الْعَامِلُ فِيهِ فِعْلًا مُقَدَّرًا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute