للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} وَيَقُولُ: هُوَ لَحْنٌ مِنَ الْكَاتِبِ.

وَهَذِهِ الْآثَارُ مُشْكِلَةٌ جِدًّا وَكَيْفَ يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ أَوَّلًا أَنَّهُمْ يَلْحَنُونَ فِي الْكَلَامِ فَضْلًا عَنِ الْقُرْآنِ وَهُمُ الْفُصَحَاءُ اللُّدُّ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثَانِيًا فِي الْقُرْآنِ الَّذِي تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أُنْزِلَ وَحَفِظُوهُ وَضَبَطُوهُ واتقوه ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ ثَالِثًا اجْتِمَاعُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى الْخَطَإِ وَكِتَابَتِهِ! ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِهِمْ رَابِعًا عَدَمُ تَنَبُّهِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ عَنْهُ ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ بِعُثْمَانَ أَنَّهُ يَنْهَى عَنْ تَغْيِيرِهِ! ثُمَّ كَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ اسْتَمَرَّتْ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الْخَطَإِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِالتَّوَاتُرِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ! هَذَا مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعَادَةً. وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ عَنْ عُثْمَانَ فَإِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ مُنْقَطِعٌ وَلِأَنَّ عُثْمَانَ جُعِلَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يَقْتَدُونَ بِهِ فَكَيْفَ يَرَى فِيهِ لَحْنًا وَيَتْرُكُهُ لِتُقِيمَهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا! فَإِذَا كَانَ الَّذِينَ تَوَلَّوْا جَمْعَهُ وَكِتَابَتَهُ لَمْ يُقِيمُوا ذَلِكَ وَهُمُ الْخِيَارُ فَكَيْفَ يُقِيمُهُ غَيْرُهُمْ! وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ مُصْحَفًا وَاحِدًا بَلْ كَتَبَ عِدَّةَ مَصَاحِفَ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ اللَّحْنَ وَقَعَ فِي جَمِيعِهَا فَبَعِيدٌ اتِّفَاقُهَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ فِي بَعْضِهَا فَهُوَ اعْتِرَافٌ بِصِحَّةِ الْبَعْضِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ اللَّحْنَ كَانَ فِي مُصْحَفٍ دُونَ مُصْحَفٍ وَلَمْ تَأْتِ الْمَصَاحِفُ قَطُّ مُخْتَلِفَةً إِلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ وُجُوهِ الْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بلحن.

الوجه الثَّانِي: عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ إِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّمْزِ وَالْإِشَارَةِ وَمَوَاضِعِ الْحَذْفِ نَحْوَ: "الكتب "، " وَالصَّابِرِينَ " وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: أنه مؤول عَلَى أَشْيَاءَ خَالَفَ لَفْظُهَا رَسْمَهَا كَمَا كَتَبُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>