للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا أَفَادَهُ الْفِعْلُ مِنْ تَجَدُّدِ الرِّزْقِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَلِهَذَا جَاءَتِ الْحَالُ فِي صُورَةِ الْمُضَارِعِ مَعَ أَنَّ الْعَامِلَ الَّذِي يُفِيدُهُ مَاضٍ نَحْوَ: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} إِذِ الْمُرَادُ أَنْ يُفِيدَ صُورَةَ مَا هُمْ عَلَيْهِ وَقْتَ الْمَجِيءِ وَأَنَّهُمْ آخِذُونَ فِي الْبُكَاءِ يُجَدِّدُونَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى حِكَايَةُ الْحَالِ الْمَاضِيَةَ وَهَذَا هُوَ سِرُّ الْإِعْرَاضِ عَنِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَلِهَذَا أَيْضًا عُبِّرَ بِـ" الَّذِينَ يُنْفِقُونَ " وَلَمْ يَقُلْ: "الْمُنْفِقُونَ " كَمَا قِيلَ: الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُتَّقُونَ لِأَنَّ النَّفَقَةَ أَمْرٌ فِعْلِيٌّ شَأْنُهُ الِانْقِطَاعُ وَالتَّجَدُّدُ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ لَهُ حَقِيقَةً تَقُومُ بِالْقَلْبِ يَدُومُ مُقْتَضَاهَا وَكَذَلِكَ التَّقْوَى وَالْإِسْلَامُ وَالصَّبْرُ وَالشُّكْرُ وَالْهُدَى وَالْعَمَى وَالضَّلَالَةُ وَالْبَصَرُ كُلُّهَا لها مسميات حقيقة أَوْ مَجَازِيَّةٌ تَسْتَمِرُّ وَآثَارٌ تَتَجَدَّدُ وَتَنْقَطِعُ فَجَاءَتْ بِالِاسْتِعْمَالَيْنِ.

وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: لَمَّا كَانَ الِاعْتِنَاءُ بِشَأْنِ إِخْرَاجِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ أَشَدَّ أَتَى فِيهِ بِالْمُضَارِعِ لِيَدُلَّ عَلَى التَّجَدُّدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} .

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ بِالتَّجَدُّدِ فِي الْمَاضِي الْحُصُولُ وَفِي الْمُضَارِعِ أَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَكَرَّرَ وَيَقَعَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>