للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِمَّا اسْتَشْكَلُوهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً}

فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حَصْرِ الْمَانِعِ مِنَ الْإِيمَانِ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ:

وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً} فَهَذَا حَصْرٌ آخَرُ فِي غَيْرِهِمَا

وَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ الْأَوْلَى: " وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِلَّا إِرَادَةُ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْخَسْفِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا فِي الْآخِرَةِ " فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُصِيبَهُمْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ مَانِعَةٌ مِنْ وُقُوعِ مَا يُنَافِي الْمُرَادَ فَهَذَا حَصْرٌ فِي السَّبَبِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَانِعُ فِي الْحَقِيقَةِ وَمَعْنَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: " وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِلَّا اسْتِغْرَابُ بَعْثِهِ بَشَرًا رَسُولًا "لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ مَانِعًا مِنَ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِغْرَابِ بِالِالْتِزَامِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمَانِعِيَّةِ وَاسْتِغْرَابُهُمْ لَيْسَ مَانِعًا حَقِيقِيًّا بَلْ عَادِيًّا لِجَوَازِ وُجُودِ الْإِيمَانِ مَعَهُ بِخِلَافِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا حَصْرٌ فِي الْمَانِعِ الْعَادِيِّ وَالْأَوَّلُ حَصْرٌ فِي الْمَانِعِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَنَافِيَ أَيْضًا

وَمِمَّا اسْتَشْكَلَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} مَعَ قَوْلِهِ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِفْهَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>