للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا تَحَدَّاهُمْ قَالَ: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} فَلَوْ ذُكِرَتِ الْقِصَّةُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَاكْتُفِيَ بِهَا لَقَالَ الْعَرَبِيُّ ائْتُونَا أَنْتُمْ بِسُورَةٍ مَنْ مِثْلِهِ فأنزلها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي تَعْدَادِ السُّورِ دَفْعًا لِحُجَّتِهِمْ مَنْ كَلِّ وَجْهٍ.

ومنها أن القصة لَمَّا كُرِّرَتْ كَانَ فِي أَلْفَاظِهَا فِي كُلِّ مَوْضِعِ زِيَادَةٌ وَنُقْصَانٌ وَتَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَأَتَتْ عَلَى أُسْلُوبٍ غَيْرِ أُسْلُوبِ الْأُخْرَى فَأَفَادَ ذَلِكَ ظُهُورَ الْأَمْرِ الْعَجِيبِ فِي إِخْرَاجِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ فِي صُوَرٍ مُتَبَايِنَةٍ في النظم وَجَذْبِ النُّفُوسِ إِلَى سَمَاعِهَا لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ التَّنَقُّلِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَجَدِّدَةِ وَاسْتِلْذَاذِهَا بِهَا وَإِظْهَارِ خَاصَّةِ الْقُرْآنِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلُ مَعَ تَكْرِيرِ ذَلِكَ فِيهِ هُجْنَةٌ فِي اللَّفْظِ وَلَا مَلَلٌ عِنْدَ سَمَاعِهِ فَبَايَنَ ذَلِكَ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ.

وَقَدْ سُئِلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي عَدَمِ تَكْرِيرِ قِصَّةِ يُوسُفَ وَسَوقِهَا مَسَاقًا وَاحِدًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْقَصَصِ وَأُجِيبُ بِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ فِيهَا تَشْبِيبَ النِّسْوَةِ بِهِ وَحَالَ امْرَأَةٍ ونسوة افتتن بِأَبْدَعِ النَّاسِ جَمَالًا فَنَاسَبَ عَدَمَ تَكْرَارِهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِغْضَاءِ وَالسِّتْرِ وَقَدْ صَحَّحَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ تَعْلِيمِ النِّسَاءِ سُورَةَ يُوسُفَ.

ثَانِيهَا: أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِحُصُولِ الْفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنَ الْقَصَصِ فَإِنَّ مَآلَهَا إِلَى الْوَبَالِ كَقِصَّةِ إِبْلِيسَ وَقَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرِهِمْ فَلَمَّا اخْتُصَّتْ بِذَلِكَ اتَّفَقَتِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ سَمْتِ الْقَصَصِ.

ثَالِثُهَا: قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ إِنَّمَا كَرَّرَ اللَّهُ قِصَصَ الْأَنْبِيَاءِ وَسَاقَ قِصَّةَ يُوسُفَ مَسَاقًا وَاحِدًا إِشَارَةً إِلَى عَجْزِ الْعَرَبِ كَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>