وقال تعالى حكاية عن تكذيب قومه لرسالته، وإنجائه مَن آمن معه، وإغراقه مَن كذّب برسالته ولم يؤمن به:{فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ}[الأعراف: ٦٤].
ثم يأتي بعد نوح - عليه السلام - هود - عليه السلام - لينذر قومه وما لاقاه منهم. ويدعوهم إلى التوحيد بعد أن انحرفوا وأشركوا بالله وعبدوا أصنامًا مِن صنع أيديهم وسمّوها بأسماء مِن عند أنفسهم. قال تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ}[الأعراف: ٦٥].
فبعد أن خاطبهم بكلمة التوحيد، وأنه لا يجوز أن تكون العبادة إلا لله وحده لا شريك له؛ جابهوه بالردِّ الشديد. وهذه سنة الله سبحانه وتعالى، وأنه لابد أن يكون للدعوة إلى الله أعداء يقفون لها بالمرصاد ويتربّصون بها الدوائر ويحاولون إسقاطها وتكذيبها. فاتّهموا هودًا عليه السلام بالكذب والسفه. قال تعالى:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[الأعراف: ٦٦].
فرد هود عليه السلام على مقالتهم وأخبرهم بأنه رسول رب العالمين، وإنه ليس سفيهًا كما يدّعون -وحاشا لنبي مرسَل مِن عندِ اللهِ أن يكون سفيهًا- وإنما أنا نذير وناصح لكم أبلِّغكم ما أُمرت به من الله - عَزَّ وَجَلَّ - دون زيادة أو نقص. قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف: ٦٧ - ٦٨].
ولكن قومه استمروا في عنادهم وتكذيبهم للحق الذي جاء به، بل وصل بهم الأمر إلى مطالبته بأن يأتيهم بالذي أنذرهم به.