البعد المتصل بأعماق النفس البشرية، توجَّهَ الإسلام إلى رفع كل العوائق التي تتسلط على نفس الإنسان لتحوّله إلى هيكل هزيل، خاوٍ خالٍ من كل روح إيجابية وإرادة فعّالة، قال -تبارك وتعالى:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة: ٢٥٦]، وقال -سبحانه وتعالى:{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس: ٩٩]. لقد فتح الإسلام أبوابه للإنسانية جمعاء، وتوجَّه بخطابه إلى الكل دون تمييز ولا إقصاء، واشترط في مقابل ذلك الإرادة الحرة في الاختيار، المبنية على دواعي الاطمئنان النفسي والاقتناع العقلي، حتى يَسْلَمَ معتنقوه من غوائل الشك والريبة واعتلال الوازع الديني فيهم، فيقل تبعًا لذلك احتمالهم لتكاليفه, وينضب صبرهم على تحمّل مسئولية القيام بأعبائه, والاضطلاع بواجباته، وما محاربة الإسلام لظواهر النفاق العقدي والفكري والسلوكي، إلّا من مستتبعات دعوته الصريحة إلى أصالة حرية التدين؛ إذ النفاق حالة نفسية مرضية، تتوزع فيها النفس البشرية بين دواعٍ مختلفة متناقضة لا تستقر فيها على حالة قارة ثابتة خالصة من كل الشوائب، وهو تعبير عن حالة من التدهور النفسي والسقوط الأخلاقي والاضطراب السلوكي، وصفها القرآن بأبلغ وصفٍ في قوله تعالى:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا}[البقرة: ١٠]. والنفاق -في حقيقته ومنطلقاته- يعكس في صورته خضوع البشرية، ولا ريب أن العلاج منه يستوجب دفقًا إيمانيًّا قويًّا, وشعورًا عميقًا بحرية اختيار العقيدة التي يطمئن إليها معتنقها باعتبارها تكليفًا ومسئولية يترتب عليها الجزاء، إن خيرًا فخير, وإن شرًا فشر، قال تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس: ٧ - ١٠].
- حرية التعبير:
وهي الحق في أن يعلن الإنسان عن جملة أفكاره وقناعاته التي يعتقد فيها الصواب والصلاح له ولغيره، وهو حقٌّ ينتج عن عضوية الإنسان داخل المجتمع الإنساني باعتباره جزءًا منه، ومسئولًا مدعوًّا إلى الإسهام فيه برأيه وفعله، إثراءً للتجربة الإنسانية, وتحصينًا لها من العثرات والنواقص، وإن ركزت المجموعة