إن النظر في هذه التساؤلات، يسوقنا حتمًا إلى إبداء الملاحظات التالية:
- إن مثل هذه المواضيع كثيرًا ما تطرح بشكل نضالي يغلب فيه التنظير الأيديولوجي والتحزب السياسي الضيق، وهذا من شأنه أن يضفي على المواقف صبغة الانفعالات العاطفية والتواترات العصبية التي لا تجدي نفعًا في مثل هذه القضايا المصيرية، والتي يتوقف عليها مصير العالم بأسره.
- إن كثيرًا ممن يرفعون شعار كونية الحقوق، يعتقدون أنها لا تخضع لأي استثناءٍ أو خصوصية معينة، مهما كانت طبيعتها، سواء أكانت ثقافية أو اقتصادية أو لغوية أو سياسية أو دينية؛ بحيث يرى هذا الفريق أن حقوق الإنسان متماثلة في كل مكان وزمان ولا مجال فيها للاختلاف، تبعًا لوحدة الجوهر الإنساني.
- يتشبث الفريق المقابل بموقفه الرافض، ويرى أن الكونية المنسوبة لحقوق الإنسان، وهي محض افتراء وذريعة إلى الهيمنة والاعتداء، والتدخل في الشئون الداخلية للشعوب والحكومات، وبسط النفوذ الاقتصادي، والثقافي، ولقد كان للفلسفة السياسية التي ظهرت في أوربا في القرن الثامن عشر، وترجمها إعلان الإنسان إثر الثورة الفرنسية "سنة ١٧٨٩م"، أثرها البعيد فيما تمخَّضَ عنها من نظام عالمي جديد في السنوات الأخيرة.
- نزعة ثالثة تتوسط النظرتين المتناقضتين، غرضها التوفيق بين الموقفين المتقابلين، على اعتبار أن الكونية لا تنفي الخصوصيات، وأنه يمكن الجمع بينهما, واستمدت موقفها هذا من الإعلان النهائي الصادر عن مؤتمر فيينا١