لا شكَّ أن التربية النفسية والعقلية والسلوكية السليمة الصحيحة، شرط ضروري ولازم لتهيئة التربة الصالحة التي نريد أن نبذر فيها بذور الحق والواجب، حتى ينشأ في الأجيال المتعاقبة الوعي الكامل بمستلزمات الحياة البشرية؛ من حرية وكرامة ومساواة وعدالة.
ولقد كانت الفترة المكية زمن البعثة، والتي تواصلت زهاء ثلاث عشرة سنة، قبل هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، موجَّهَةً توجيهًا كليًّا إلى التربية العقدية, والتأصيل الإيماني, والتهذيب النفسي والعقلي والأخلاقي، وفق أسلوب من التدرج يراعي الخاصيات التي تتطلبها كل مرحلة من مراحل الدعوة إلى الدين الجديد, ثم تلت هذه الفترة الهامة، مرحلة التشريع للمجتمع الجديد الناشئ, وفق ضوابط أخلاقية وسلوكية، ميزتها الشمولية لكلِّ جوانب الحياة الفردية والجماعية، وقاعدتها المساوة بين كل الناس, دون التفرقة بينهم لدواعي جنسية أو عرقية أو لغوية، وميزانها العدل في ترتيب الحقوق والواجبات على حسب ما تحتمله الطاقة البشرية من غير إسراف ولا تقصير.
ومن الحقوق الإنسانية الأساسية التي أحاطها الإسلام بسياج الحرمة والقداسة:
أ- حق الحياة:
وهو من أقدس الحقوق البشرية على الإطلاق، وأولاها بالإثبات والحماية، بدليل أن الشرائع السماوية أجمعت على إقرار هذا الحق الأصلي، واعتباره من أوكد الكليات الخمس الواجب حفظها ومراعاتها. والإسلام حرَّم تحريمًا مشددًا قتل النفس البشرية بغير حقٍّ، وسدَّ كل أبواب الذرائع المؤدية إلى إتلافها وإهلاكها،