شرع الإسلام من المبادئ، وسنَّ من القيم، ما يكفل الحقوق الكاملة التي توجبها الحياة الإنسانية وتفرضها الكرامة البشرية على هذه الأرض, ولم تحظ هذه الحقوق في أية شريعة من الشرائع السماوية أو النظم الأرضية بمثل ما حظيت به في شريعة الإسلام, فقد ارتقت بها بأن جعلتها من الواجبات الدينية المتحتمة التي يحرم الإخلال بها أو الاعتداء عليها, قال سبحانه في محكم تنزيله:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: ٧٠].
إن ما يبدو في العصر الحديث، أنه اهتمام واسع شامل لقضايا حقوق الإنسان، تناولته أنظار الفلاسفة والمفكرين والسياسيين منذ القرن السابع عشر الميلادي، وحبَّرت في شأنه المواثيق والعهود، قد بقي في حقيقة الأمر منحصرًا طيّ القوانين والدساتير, واكتفي بالتعبير عنه في شكل مبادئ عامة وقواعد مجملة. ولم تتدرج العناية به إلى المستوى الدولي، إلّا بعد تأسيس منظمة الأمم المتحدة، وصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
هذا, وإن الصراع القائم اليوم، بين أنصار العولمة وما تحمله في نظرهم من بشائر الانفتاح وتداخل المصالح بين الشعوب, وتحسين أنماط عيشها، وبين أنصار المحافظة والتشبث بالنظام القديم، يجعل إشكالية حقوق الإنسان تأخذ منعطفًا جديدًا وخطيرًا في الوقت نفسه، وتطرح على الشعوب تساؤلاتٍ مصيرية، أهمها:
١ - مدى قدرة الثقافات المحلية على الصمود والثبات أمام التيار القوي للعولمة.
٢ - كيف السبيل إلى المحافظة على الخصوصيات التاريخية والثقافية لشعوب العالم، في عالمٍ يسير نحو الاندماج عَبْرَ التكتلات الاقتصادية والسياسية؟